تعد دراسة ظاهرة الجريمة كمشكلة اجتماعية تقف في مقدمة مشكلاتنا الاجتماعية المعاصرة من أهم الدراسات وأكثرها إلحاحًا، وذلك لآثار الجريمة في تهديد كيان المجتمعات، والعبث بأمن أفرادها والإحاطة بطمأنينتهم واستقرار حياتهم.
وفى هذه دراسة التى أعدّها الدكتور حسن إبراهيم عبد العال، يرى إذا كانت هناك علوم ومعارف ليست قليلة قد أسهمت في دراسة مشكلة الجريمة بعضها بصورة مباشرة والأخرى بصورة غير مباشرة، فلعلنا نتساءل عن مدى إسهام التربية الإسلامية، وموقعها في دراسة مشكلة جريمة، وإلى أي حد تستطيع التربية الإسلامية أن تمنع وقوع الجريمة أو تحد من ارتكابها!
الجريمة والتربية
إن الجريمة من وجهة النظر التربوية ظاهرة تنشأ نتيجة لتفاعل أفراد المجتمع مع الوسط الاجتماعي ككل بما فيه من مؤسسات ونظم وعلاقات وأنماط سائدة وغيرها وقد يعجز بعض أفراد هذا المجتمع لسبب ما عن مسايرة ذلك التفاعل فلا يجدون لهم مكانًا يستطيعون فيه تأكيد ذواتهم، ومن ثم يخرجون على عرف المجتمع ونظمه وقوانينه ويقفون منه موقف المعارضة والعداء. ولهذا يصبح إسهام التربية في دراسات الجريمة أمرًا لازمًا.
ولا يعنى ذلك أن التربية بمقدورها وحدها أن تسبر أغوار مشكلة الجريمة، وأن تضع يدها بمفردها على العوامل المسببة لها أو أن تقترح بغير مشاركة العلوم الأخرى وسائل القضاء عليها أو الحد منها، أو أن تقدم الوسائل الخاصة بمعالجة الجانحين، أو تنفرد بوضع تصور لسياسة وقائية إصلاحية تمنع من الجريمة وتهدي إلى سواء السبيل. إن ذلك جهد مختلف العلوم الإنسانية والطبيعية، وإن كان إسهام التربية في كل ذلك لا ينكر.
دور التربية الإسلامية في معالجة الجريمة
على أنه إذا كان ذلك دور التربية وموقعها في دراسة مشكلة الجريمة، والتربية كما هو معروف تختلف أهدافها ووظائفها ومناهجها وطرقها باختلاف المجتمعات والثقافات، فإن التربية الإسلامية على وجه الخصوص تتسم بفاعلية أكثر في معالجة مشكلة الجريمة إذ يزيد إسهام التربية الإسلامية على المعاني التربوية السابقة وتتميز بأنها أداة صياغة الإنسان ورعاية نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي والنفسي بما يتلاءم وفطرته التي فطره الله عليها ووفق تصور الإسلام وتعاليه ومبادئه التي ارتضاها الخالق سبحانه لتوجيه قدرات الإنسان، وتنمية استعداداته وتنظيم طاقاته في إطار عملية تكيف خال من كل أشكال الصراع والقلق والتوتر، بالأمن والشعور بالطمأنينة نتيجة إشباع الإنسان لحاجاته المختلفة بصورة مشروعة ومعتدلة، بحيث ينمو الفرد متوافقًا مع نفسه من جهة ومع مجتمعه الذي يعيش فيه من جهة أخرى. ولعل إسهام التربية الإسلامية في معالجة مشكلة الجريمة يبدو أكثر وضوحًا فيما تقوم به من دور جوهري في الوقاية من الجريمة، فيكاد عملها يتصل بصورة فعالة في معالجة الأسباب التي تحول دون وقوع أكثر من معالجة وسائل الإصلاح التي تتخذ بعد وقوع الجريمة، وإن كان لها دورها أيضًا في سبل التقويم ووسائل الإصلاح.
إن وظيفتها الأولى هي تربية الفرد ورعاية نموه في جوانبه المختلفة بمبادئ وأسس وأساليب تخضع لمحددات الإسلام وقيمه العظيمة بحيث ينمو الفرد، دون أن تبدو في سلوكه مظاهر الانحراف التي تتخذ شكل العداء للمجتمع، ومخالفة القانون والإضرار بالآخرين عن طريق سلب المال أو انتهاك الحرمة أو اغتصاب الشرف أو جرح الكرامة أو غيرها من مظاهر الجريمة وآثارها البشعة، وهذا ما يؤكد دور التربية الإسلامية في معالجة الظروف التي ترتبط بعملية النمو وعملية التنشئة الاجتماعية أو التطبيع الاجتماعي التي يتعرض لها المجرم أو الجانح لارتباطها المباشر بمشكلة الجريمة، فما من شك في أن من أهم بواعث الجريمة اضطراب علاقة الفرد مرتكبها بغيره من الناس وفقدانه لإمكانية إقامة علاقات إنسانية مع غيره من الناس. وذلك نتاج خلل أصاب عمليتي النمو والتطبيع الاجتماعي. هذا مع التسليم بأن حصر أسباب الجريمة أمر بالغ التعقيد حيث إن الجريمة ظاهرة معقدة ذات عوامل متعددة.
.