بقلم: د/ همام سعيد
كثيراً ما يشعر الدعاة بخيبة الأمل عندما يدعون إلى الله ، ويستعملون الحجج والبراهين، ولكن لا يجدون استجابة كبيرة من قبل المدعوين، وهذا الشعور بالخيبة ناشئ عن إسقاطهم لعنصر مهم من عناصر معادلة الدعوة وهو الزمن.
1- أول ما يجب أن نعلمه أن الواقع الذي نتعامل معه واقع غير إسلامي، وأنه تشكل بفعل عوامل كثيرة معظمها نشأ بفعل مؤثرات مادية إلحادية أو فاسدة، وقد سيطر هذا الواقع على أفراد المجتمع، وأصبح الداعية يتعامل مع الفرد القابع تحت هذه التراكمات الفكرية و السلوكية، التي هي بمثابة الحجاب المانع من الاتصال بين الداعية و المدعو، وبعبارة أخرى فإن الداعية في عالم والمدعو في عالم آخر، والمدعو صاحب قيم غير القيم التي ينادي بها الداعية، ولهذا كله فإن توقع الاستجابة السريعة في غير محله، وهو مخالف لطبائع الأشياء.
2- إن أية كلمة يقولها الداعية لا تذهب هباء منثوراً، وإنما تدخل في مكونات المدعو، ويختزنها عقله وتتراكم خبراته الخيرة، وقد يظهر أثر كلمة قيلت قبل سنوات بفعل موقف محرك أدى إلى استرجاع تلك الخبرة، ثم إن ما يقوله الداعية اليوم يجده داعية آخر رصيداً بعد سنين، وكثيراً ما يحدث أننا عندما نتحدث مع إنسان ما يقول: هذا شيء سمعته من فلان.
3- وإن اختيار زمن الدعوة أمر في غاية الأهمية، وهنالك أوقات يخلو المرء فيها مع نفسه، ولا يكون مستعداً فيها لتقبل الأفكار، وإن الدعوة تتأثر بالجو العام والظرف الذي يمر فيه الداعية والمدعو، ولهذا فإن على الداعية أن يختار أنسب الأوقات التي لا إحراج فيها ولا مشقة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا).
4- ولا ينبغي أن يطيل الداعية على المدعو لأنه قد يضجره ويمله، ومعيار عدم الإطالة أن يترك المدعو في شوق لاستكمال الموضوع وأن يطلب المزيد.
5- الاستعجال على المدعو قد يؤدى إلى نتيجة سيئة، إذ قد يفصل في المسألة إما بالرفض وإما بالاستجابة والإقبال، وكلا الأمرين قبل أوانه خطير.
ففي حالة قرار الرفض: يكون المدعو قد تعجل في اتخاذ قراره قبل أن يستكمل وجوه الدعوة، وبذلك يكون قد اتخذ موقفاً من الدعوة، وليس من السهل أن يغير موقفه، لأن المرء حريص على أن يُعرَف بالمواقف الثابتة، وهذه النتيجة إنما كانت بفعل الداعية الذي أراد أن يجنى الثمرة قبل أوانها.
وفى حالة قرار الاستجابة المستعجل: يجد المدعو نفسه بعد وقت يسير أمام تكاليف وواجبات لم يحسب حسابها، ويتبين أنه لو انتظر قليلاً لما اختار هذا الموقف، ويدخل في صراع بين الموقف المعلن والموقف المبدئي، وقد يرتكب محظورات سلوكية كالكذب والنفاق، وكل هذا بسبب الاستعجال عليه، ولو فتحت أمامه فرصة التفكير والتدبر لاتخذ الموقف المبدئي الأصيل.
و الطريقة المثلى أن لا نستعجل إصدار القرار، بل نطلب من المدعو أن يتمهل في اتخاذ المواقف وأن نصارحه بالعقبات في طريق الاستجابة إلى جانب الإيجابيات المبشرة والآمال المتوقعة.
6- وإن إدخال الزمن كعنصر من عناصر الدعوة يخفف من حدة الدعاة، ويقف أمام اليأس الذي يعتري الدعاة أحياناً، ويفتح لهم باب الأمل، وذلك عندما يفقهون دور الزمن، وإن الطبيب لا يقول للمريض خذ العلاج جرعة واحدة ولكن يقول له خذه على جرعات وفى خلال مدة معينة من الزمن.
للاطلاع على السلسلة: د. همام سعيد يكتب: قواعد عامة في الدعوة إلى الله
.