تضمنت طفولتنا الكثير من الانطلاق في الهواء الطلق، وخارج الأبواب، وبين أحضان الطبيعة، فلم تكن الأبواب موصدة، كنا نذهب في رحلات عائلية جماعية أسبوعية تجمع الأقارب، نتنقل بين مروج الطبيعة وفي ربوعها وربيعها وبساتينها الغناء، نشعر بعذوبة الطبيعة وجمالها وألحانها وروعتها وعظمة خالقها، فنحمد الله على آلائه، ونستمتع بطفولة لا يكدرها الزمان.
وفي المقابل؛ أنظر اليوم بعين المتأمل إلى أطفالنا في عالم وصف بالمتغير، والمتسارع، وسريع التغير، وعالم السرعة، وعالم التكنولوجيا، والعالم الرقمي، وعالم الاتصالات، والثورة التكنولوجية، وعالم الإلكترونيات، والبطاقات، والاختراعات، والقرية الصغيرة.. فكل شيء أصبح متوافرا وسريعا وبين أيدينا ومتطورا، يوفر الوقت والجهد، ويجلب لك المعلومة بأقل من الثانية ومن دون جهد أو عناء، ويطلعك على كل العالم وأحداثه اليومية لحظة بلحظة.
وفي هذه لدراسة، ترى الباحثة د. آندي حجازي، أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، فيها الغث وفيها السمين، فيها الحق وفيها الباطل، فيها الحقيقة وفيها الخيال، وفيها الواقع وفيها المبالغة، فيها الخير وفيها الشر.. وفي خضم كل هذا أين نجد أطفالنا اليوم؟ إذا بحثتم عن أطفالنا فلن تجدونهم إلا بين أربعة جدران، يقبعون في مشهد من تلك المشاهد الأربعة التي قدمتها التكنولوجيا الترفيهية للطفل وهي:
الطفل والهاتف المحمول
طفل أو مراهق يضع رأسه في جهاز صغير نقال ينقله معه أينما حل أو ارتحل، ولو غادر مقعده لثوان معدودة غادر معه النقال وكأنه قطعة من جسده! كيف لا وهو يتنقل في عالم المحمول من مشهد لمشهد، ومن فيديو لآخر، ومن صفحة لأخرى، ومن موقع لموقع، ومن لعبة لأخرى، ومن فيسبوك لتويتر، ومن واتسآب لرسالة أخرى في واتسآب... جهاز يأكل وقته أكلا، ويجذب نظره جذبا، ويسرق عقله خلسة، فإن ناديت ابنك فلا يسمع، وإن أشرت إليه بيدك لا يكاد يراك! إنه مندمج في عالمه الخاص، الذي يغوص به غوص البحار العميق، يسرق لبه وقلبه كالساحر أو كسارق محترف! قد يؤخره عن صلاته وعن أعماله المدرسية وعن زيارات أقاربه واللعب مع رفاقه، ليجعله يعيش في عالم رقمي ليس بالحقيقي بعيدا عن التفاعلات الاجتماعية الحقيقية وعن تعود لقاء الناس والتعامل مع البشر وجها لوجه! فما المستقبل المنتظر لأطفالنا؟!
مع ألعاب الفيديو
إنها ألعاب الفيديو (الألعاب الإلكترونية)، وألعاب الكمبيوتر والفيديو، فهي ألعاب يفترض أنها تقدم التسلية والمرح والمتعة والفائدة لأبنائنا، فهي تستغرق من وقت الأطفال الكثير. تجد الطفل شديد الاهتمام بتلك الألعاب؛ إنه في حالة انشغال تام، منجذب بكل حواسه، ويداه لا تكادان ترتفعان عن آلة التحكم، وعيناه لا تفارقان الشاشة ولا حتى للحظة! حيث اللحظة الواحدة معناها خسائر كثيرة في اللعبة.. تركيز شديد، إدمان كبير، عنف شديد، انفعالات حادة من الابن! إنه في حالة اندماج تام لا يحب أن يتكلم معه أحد أو يطلب منه شيئا!
إن غالبية تلك الألعاب تقدم العنف لأبنائنا، فقد وجد بالأبحاث أن 22 ألف لعبة فيديو من أصل 30 ألف لعبة تقدم العنف، العنف بأشكاله الجسدية، كالضرب والقتل والركل والسباب، والزيادة في سرعة السيارات، والتعدي على الآخرين، والاعتداء الجنسي، وتعليم السرقة! ثم نتساءل: لماذا بدأت مجتمعاتنا تعاني من العنف؟ لماذا كثرت جرائم القتل؟ لماذا زادت مشاكل التحرش الجنسي؟ لماذا لم يعد أبناؤنا يستشعرون حجم الكوارث في بلادهم؟ لماذا تبلدت مشاعرهم؟ إن كان أطفالنا ينشأون على العنف بكل وسائل التكنولوجيا والإعلام فكيف ستكون مشاعرهم تجاه العنف بعد ذلك؟ لابد أنها مشاعر متبلدة، ترى القتل والدمار والتخريب من دون أن تحرك ساكنا، أو تبدي استهجانا في نفسها على الأقل!
أي تربية نتوخاها من وراء مثل هذه الألعاب المستوردة في ثقافتها ومضمونها وأفكارها، والبعيدة كل البعد عن ثقافتنا وهويتنا وديننا الإسلامي؟! إن لم نحذر منها فأي تنشئة سينشأ عليها أطفالنا، أي تشويه لثقافتنا وقيم أبنائنا، ونحن في غفلة منها، وما علينا سوى شراء تلك الألعاب المدمرة للتربية وللقيم الأخلاقية والإسلامية وتقديمها لأطفالنا من دون التأكد من مضمونها، من أجل إشغال أبنائنا بأي وسيلة ترفيهية فقط من دون التفكير في أبعادها التربوية على المدى البعيد؟!
وفي الصدد ذاته، لماذا لا نفكر في صناعة ألعاب إلكترونية مرتبطة بثقافتنا وهويتنا العربية والإسلامية تنمي الأخلاق بدلا من تدميرها، تنمي العادات الحميدة بدلا من تشجيع ارتكاب الكبائر؟ لماذا لا ننتج ألعابا تستخدم في التعليم في مدارسنا؟ هل تنقصنا العقول المفكرة، أم الإمكانات المادية، أم القيم العليا، أم الدافعية الذاتية لذلك؟ إن لم نوظف التكنولوجيا لمصلحتنا وظفت هي ضد مصالحنا وعاداتنا!
في ظل ما عرضت أنصح الأمهات والآباء بعدة نصائح عملية لعلها تكون مفيدة ومنها:
- إخراج التلفاز من غرف نوم الأطفال وتحديد ساعات لمشاهدته.
- مراقبة ما يشاهد الأبناء من أفلام وفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
- الجلوس مع الأبناء فترات أطول ومحاورتهم وأخذ آرائهم.
- إشراكهم في أعمال البيت ومسؤولياته.
- اصطحاب الأبناء إلى الحدائق العامة والبساتين والمعارض الفنية: كالرسم والأشغال اليدوية، والمعارض الثقافية والمتاحف، وزيارات الأقارب.
- الخروج في نزهات وإلى أماكن لعب للأطفال للتعويض عن الجلوس أمام تلك الأجهزة لساعات طويلة.
- تشجيع ممارسة أنواع الرياضة وركوب الدراجات الهوائية وما شابهها، واللعب بالكرة مع الأبناء، وتشجيع ممارسة الهوايات، كالرسم والتطريز وفنون الرياضة.
- سرد القصص الهادفة وذات الاعتزاز بأبطالنا وعلمائنا وعظماء تاريخنا.
- استخدام أساليب تربوية: كالحرمان في حال أثرت تلك الأجهزة على معدلات التحصيل المدرسي والصلاة والعادات الحميدة، تعويد الأبناء على المراقبة الذاتية وربط أفعالهم دوما بالله تعالى وأنه يرانا وهو الشاهد على أفعالنا.
.