Business

أكل الحلال وصلاح الأبناء

لا يخفى أننا في زمن فتحت فيه الدنيا على الناس، وكثرت تجاراتهم، وتعددت مكاسبهم، وكثرت صور البيوع التي تحير فيها الناس وكثر فيها التحايل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام).

وفي هذه الدراسة، يرى الباحث عبد العزيز مصطفي الشامي، أن العبد إذا اطمأن قلبه بربه؛ وثق في تدبير ربه له في أمر رزقه، بين بسطه وقبضه، فهو راض عن ربه، غير متطلع لما في يد غيره، قانع برزقه، واثق في حسن اختيار الله له؛ لا يتطلع للكسب الحرام، مؤمن ومصدق بقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ».

 

تحذير نبوي

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم العبد من آكل الحرام، مبينًا آثاره الضارة على دين العبد وسلامة عبادته، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) (المؤمنون: 51)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة: 172)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنّى يُستجاب له؟» رواه مسلم.

قال ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: (وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل، ولا يزكوا إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قبوله، فإنه قال بعد تقريره: (إن الله طيب لا يقبل إلا طبيًا) وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالًا فالعمل صالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولًا؟! وما ذكره بعد ذلك من الدعاء، وأنه كيف يتقبل مع الحرام، فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالجرام).

يجب على من يحرص على دينه إذا التبس عليه أمر بين حل وحرمة أن يسأل إذا لم يعلم، كما كان سلفنا رضوان الله عليهم.

 

التربية بالقدوة والمثل الأعلى

مما لا شك فيها أن الحديث عن المثل الأعلى والقدوة الطيبة شيء ضروري في هذه الأيام؛ حتى ينشأ شباب المسلمين مقتديًا بسير العلماء وأهل الفضل والخير من هذه الأمة، ممن جمعوا بين العمل الصالح وفعل الخير ونفع الخلق، وحتى يتطلع الجميع إلى مثل عليا حقيقية أثرت في حياة الناس، وغيرت الاهتمامات والطموحات، فكثير من شباب هذه الأيام لا يجد قدوة له إلا لاعبًا مشهورًا أو ممثلًا مغمورًا، أو حضارة غربية مفلسة مظلمة فهؤلاء في حاجة ضرورية إلى أن يروا نماذج مشرقة، ورجالًا نبلاء فضلاء، وما أكثرهم في تاريخ هذه الأمة العريقة التي قد تمرض ولكنها لا تموت!

فبدلًا من تعلق القلوب بأقدام لاعبين أو لهو اللاهيين، وتفريط المفرطين؛ لابد من إبراز هذه القمم العالية؛ لتكون منارات في طريق الحق والخير يقتدي بها الحيارى، ويبصرون سبيل الحق والخير.

إن إنارة الطريق للشباب الغريق، وبث الأمل في القلوب والنفوس؛ لمن الأعمال الموفقة التي تعود على الأمة بالنفع والخير، فيتخلص أبناؤها من الهزيمة النفسية، ويعتزون بإيمانهم ودينهم العظيم، وتاريخهم المشرق، ورجالهم النبلاء وقادتهم العظماء، ويعرفون أن تاريخ أمة الإسلام به كنوز عظيمة فيها القدوة والأسوة الحسنة لمن قرأ وتدبر يا أمة (اقرأ).

 

طيب الكسب وعفة المطعم من أسباب صلاح الأولاد

كان عمر بن عبد العزيز غرسًا طيبًا لأسرة كريمة طاهرة، فوالده هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم، من خيار أمراء بني أمية، شجاعًا كريمًا، كان من تمام ورعه وصلاحه أنه لما أراد الزواج قال لخازنه: اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي؛ فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح، فتزوج أم عاصم بنت عاصم بن عمر الخطاب. رضي الله عنهم جميعًا. وهي حفيدة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

إن زواجه من آل الخطاب ما كان ليتم لولا علمهم بحاله وحسن سيرته وخلقه، فقد كان حسن السيرة في شبابه، فضلًا عن التزامه بدينه وحرصه على تحصيل العلم واهتمامه بالحديث النبوي الشريف، فقد جلس إلى أبي هريرة وغيره من الصحابة وسمع منهم، وقد واصل اهتمامه بالحديث بعد ولايته مصر، فطلب من كثير بن مرة في الشام أن يبعث إليه ما يسمعه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من طريق أبي هريرة فإنه عنده.

من هذا لابد أن ننتبه إلى أن صلاح الأولاد والذرية مسئولية وأمانة، وأن لهذا الصلاح بعد توفيق الله تبارك وتعالى سببين ظاهرين: أولهما الحرص على الحلال الطيب في المطعم والمنكح، وثانيهما البحث عن الأسر الصالحة الطيبة عند الزواج، ليخرج الله لنا أبناء بررة غذوا بالحلال، ونشئوا عليه وعلى تعظيم الشرع الحنيف، وهذا النبت هو أساس الشجر الوارف الظلال الذي ينتج للأمة ثمارًا نافعة، وأطفال اليوم هم قادة الغد. فيا ليتنا ننتبه إلى بداية الطريق الصحيح حتى لا نضل ولا ننسى.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم