تمر عملية اكتساب الطفل للغة الأم بأربعة مراحل تقريبية من حيث مدتها، وهي تتفاوت من طفل لآخر حسب الفروق الفردية نلخصها فيما يلي:
- مرحلة ما قبل الكلام: تمتاز هذه الفترة بالصراخ اللاإرادي للتعبير عن إحساسات وانفعالات طبيعية كالجوع، العطش، الألم، التعب.
- مرحلة المناغاة: فيها يكرر الطفل بعض الأصوات مثل (با... با...) أو (ما... ما...).
- مرحلة المحاكاة: فيها يقوم الطفل بتقليد المحيطين به في إيماءاتهم وتعبيرات وجوههم.
- مرحلة الكلام والفهم: فيها يكون الطفل الجمل ويكتسب أقسام الكلام طبقا للترتيب التالي: الأسماء فالأفعال.
هذه المراحل الأربع تكتمل في حوالي السنة السادسة من العمر وفيها يكون الطفل قد اكتسب لغة الأم في أحضان أسرته عن طريق تفاعله مع أعضائها.
وفي هذه الدراسة، ترى الباحثة أيت مولود يسمينة، جامعة مولود معمري –تيزي وزو-، أنه بذلك فإن الطفل في سن التمدرس يكون مهيًا لتعلم اللغة الفصحى التي تعتبر لغة العلم والمعرفة والتي تتضمن القراءة والكتابة.
البيئة التربوية
تعتبر الأسرة أول بيئة تربوية يتواجد فيها الطفل ويتفاعل معها، وهي الجماعة المرجعية التي تنمو فيها بذور الشخصية، هذا من جهة ومن جهة أخرى تلعب أساليب معاملة الوالدين للطفل دورًا كبيرًا في نمو لغة الطفل نموًا سويًا أو غير سوي، فكلما ازداد إحساس الطفل بقيمته وأهميته في كنف أسرته، هذا ما يجعل الجو الأسري أرضية خصبة للنمو الطبيعي لكلام الطفل ومنه نجاح عملية التواصل والتفاعل بينه وبين أفراد أسرته وأقرانه في المدرسة لاحقًا. وعلى العكس من ذلك فالأسرة التي يتسم فيها الوالدان بالسيطرة والتحكم تهيء جوًا أسريًا مشحونًا بالضغوط، الأمر الذي يؤدي إلى الإخفاق في إتمام عملية التواصل بين الطفل ووالديه ومن ثم مزيدًا من المعوقات للنمو الطبيعي لكلام الطفل.
اضطرابات النطق والكلام: ينبغي أن يكون الكلام مرتبًا بشكل صحيح فضلًا عن حدوثه بسلاسة ويسر وبصورة تلقائية ومتماشية مع متطلبات الموقف بالإضافة إلى ضرورة اتباع الكلام القواعد المختلفة المتفق عليها في الثقافة التي ينشأ فيها الفرد، وإن لم يكن كذلك فإن الكلام يعتبر معيبًا ومضطربًا. فقبل أن نقوم بعرض اضطرابات النطق والكلام التي تحدث في الطفولة المبكرة والتي تعود لأسباب محيطية وعائلية فإنه لابد من التمييز بين بعض المصطلحات وضبطها لتفادي الالتباس وهي:
تأخر الكلام: هو وجود فرق زمني بين اكتساب الطفل للوظيفة الكلامية مقارنة بعمره أي هناك تأخر في اكتساب المهارة وعادة ما يتحسن مع الوقت.
اضطراب الكلام: هو عدم انتظام الوظيفة الكلامية والتي تظهر على شكل تشويش في تكوين الجمل والتلفظ بالكلمات، فكلام الطفل لا يوافق عمره الزمني.
وتتمثل اضطرابات النطق والكلام التي تمس الطفل في فترة الطفولة المبكرة والتي تعود لعوامل أسرية في:
تأخر الكلام أو تأخر اللغة الشفهية، وهي تضم ما يلي:
1- التحريف أو التشويه: هو نطق الصوت بطريقة تقربه من الصوت العادي بحيث إنه لا يماثله تمامًا، كأن ينطق حرف (س) بصفير طويل.
2- الإبدال: توجد أخطاء الإبدال في النطق عندما يتم إصدار صوت غير مناسب بدلًا من الصوت المرغوب فيه. ومنه نجد:
- اللدغة الرائية: وهي قلب صوت الراء إلى ياء أو لام أو غاء.
- اللدغة السينية: وهي خروج صوت السين بشكل غير صحيح إذ يعوض في الكلمة بـ: ث، ش، خ.
- اللدغة الخلفية الأمامية: فيها يقوم الطفل بقلب صوت الكاف إلى تاء أو الجيم إلى دال.
- الحذف: فيه يحذف الطفل صوتًا من الأصوات التي تتضمنها الكلمة، قد يشمل الحذف أصواتًا متعددة وبشكل ثابت يصبح كلامه غير مفهوم.
- الإضافة: هو إضافة صوت زائد للكلمة، وقد يسمع الصوت الواحد كأنه يتكرر. مثل سصباح الخير.
- التأتأة: هو اضطراب في تناسق وانسجام الكلام، يمتاز بتكرارات أو طول الحرف بشكل لا إرادي، ناتج عن اضطرابات عاطفية، ويشتد في مواقف القلق ويختفي أثناء الغناء أو القراءة.
إن عدم وجود تكفل نفسي أمام هذه الاضطرابات قد تؤثر على اكتساب اللغة الفصحى محدثة بذلك (تأخر اللغة) والذي يعرفه مارك دلاهان (2009) بأنها اضطرابات تبدو على شكل عجز في تكوين الجملة من حيث تنظيم كلماتها وصرف الأفعال، واستخدام الضمائر... إضافة إلى وجود أعراض تأخر الكلام.
نتائج اضطرابات النطق والكلام
إذا سمح الجو الأسري للطفل باكتساب كلام سوي فإن حصيلته اللغوية سترتفع فتكون له مفردات وآليات تسمح له باستعمال اللغة بصورة مبكرة، ومنه سيزداد محصوله الثقافي والفكري فتكون له القدرة على الاتصال بالآخرين بصورة أكثر فعالية وكلما فقد هذه المفردات والآليات كلما اقترب للعزلة وضعفت ثقته بنفسه. وعليه فضعف الحصيلة اللغوية عند الطفل تسبب له ما يلي:
- عزلة الطفل الاجتماعي: إن قلة اللغة تعني ضعف التواصل وتمثل حاجزًا يعوق التخاطب والتفاهم مع الآخرين، هذا ما لا يشجع على المبادرة وإقامة علاقات اجتماعية ومنه الشعور بالفشل والعزلة. ذلك لأن الطفل يميل إلى الاستكشاف واللعب مع نشاط عضلي كبير يصاحبهما نمو معرفي، إضافة إلى استقطاب لغوي وإدراكي للمفردات، وهذا بحاجة إلى حصيلة لغوية تلبي رغباته.
- الشعور بالنقص: إن عدم قدرة الطفل على التعبير عما في نفسه من أحاسيس في الوقت الذي ينطلق فيه الآخرون في الكلام، يمكن أن يولد عند الطفل شعورًا بالنقص والدونية، ويقود هذا إلى نوع من الاضطراب في الشخصية. أي أن القصور اللغوي لدى الطفل يحرمه من إشباع الغريزة الاجتماعية، هذا ما يجعله أكثر قلقًا وتوترًا.
- العجز عن الفهم والاستيعاب: لغة الكلمات هي البوابة المشرعة التي يوصل بها الطفل أفكاره ويتلقى أفكار الآخرين، فعجزه عن هذا الأمر يعني عجزه عن فهم واستيعاب ما ينقل إليه من معارف وخبرات، فما هو مكتوب في صفحات الكتاب يراه مليئًا بالغموض والصعوبات ذلك لأن ما يطرحه الكتاب يتعدى المستوى الثقافي والإدراكي للقارئ الصغير.
- ضعف الإبداع: إن إبداع الطفل قائم على ما يجنيه من ثمار وخبرات التي هي المادة الخام التي يمكن أن تصقلها الموهبة فتصنع شيئًا جديدًا أو على الأقل تحمل الطابع الشخصي، فالإبداع هو أفكار قديمة في علاقات جديدة. وإذا كان الذكاء لازمًا للإبداع لكنه ليس كل شيء فهو بحاجة للمعلومات التي يخزنها في ذهنه والتي لن تكون إلا عن طريق اللغة.
.