Business

من أساليب تربية الأولاد في بلاد المهجر

الوالدان يحرصان الحرص كله أن يفيا بحق صغيرهما، وتنشئته تنشئة سوية، ولكنهما قد لا يدركان هذا الحق أو بعضه، غفلة أو جهلاً، وخاصة تربية الأبناء في بلاد الغربة إذ تحيط بها كثير من العوامل التي تعقد مجراها وتعكر صفاها، كاختلاف القيم والتقاليد والأعراف، بل والمعتقدات أحيانًا – كحالة المهاجرين في بلاد غير المسلمين.

وتهدف هذه الدراسة التي أعدها د. أحمد علي أحمد سالم، أستاذ للمناهج وطرق التدريس في جامعة أم القرى، لتقديم بعض المعالجات للمشكلات التربوية التي تواجه المقيمين خارج أوطانهم، انطلاقًا من تجربة الباحث الشخصية التي شملت أكثر من دولة عربية، لأكثر من خمسة عشر عامًا، فأراد أن يسجل تلك التجارب والمواقف، لعلها تكون مرجعًا ورفدًا لمن كان في مثل هذا الظرف، أن يجد فيه ما يعينه على اتخاذ الإجراءات المناسبة، وإتباع الطرق الملائمة في تربية أبنائه في بلاد المهجر.

 

مشكلات تربية الأولاد في بلاد المهجر

المقصود ببلاد المهجر في هذه الدراسة كل بلاد انتقل إليها شخص للعمل فيها ولم تربطه بها مواطنة أصلية يتمتع في ظلها بالجنسية والهوية.

يعاني أطفال المهجر من صعوبة الاندماج مع الآخرين والنظرة الدونية للوافد، والدلال الزائد من قبل الوالدين وازدواجية اللغة والثقافة.

ويواجه الآباء في بلاد المهجر عددًا من المشكلات التي تتعلق بتنشئة أولادهم، وتكيفهم مع النسق القيمي لمجتمعهم الأصل، ومن تلك المشكلات:

  • مشكلة العلاقة مع الآخرين خارج المنزل: وتتمثل في صعوبة الاندماج في المجتمع الآخر، والقدرة على التكيف الاجتماعي، مما يؤدي للإحساس بالضعف الذاتي.
  • النظرة الدونية للفرد الوافد: وذلك للشعور العام نحو الشخص الوافد، وعدم تمتعه بحقوق المواطنة الكاملة، مما يحول دون خوضه في كثير من المسائل الحياتية، بل والضرورية منها، مما يقلل من فرص التكيف الاجتماعي وتشكيل الشخصية القوية، وقدرة الفرد على مواجهة مشكلاته وحلها.
  • الدلال الزائد: ومرد ذلك القدرة الاقتصادية أو الوفرة التي يتمتع بها المهاجر إلى حد ما، ما يشجع المهاجر لتوفير الكماليات والأشياء المادية لأبنائه عوضًا عن كثير من النواقص النفسية والاجتماعية، مما يشكل خطورة على نظرة الطفل للمال وكيفية التحكم في صرفه، والفشل في التعامل مع القضايا المالية بنوع من المسئولية.
  • ازدواجية اللغة والثقافة: حيث تحرص الأسرة على تنشئة الأبناء على لغة وثقافة الوطن الذي ينتمون إليه، وغرس قيمه وسلوكه، بينما الولد في بلاد المهجر يتعامل مع لغة أو لهجة وثقافة مغايرة، ويكتسب قيم وسلوكيات مغايرة أيضًا، مما يشكل خطرًا على الاعتزاز باللغة والثقافة المحلية، كما يقلل من فرص ترسيخ المواطنة الحسنة.
  • التعامل مع الكبار بروح الندية، مما يخالف تعاليم الدين الإسلامي الذي يأمر بتوقير الكبير، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) وفي رواية "ويعرف قدر كبيرنا"، كما تتعارض مع بعض التقاليد العربية التي تكرس احترام وتقدير الكبير في أساليب التعامل المختلفة، كالإصغاء إليه وأسلوب التخاطب معه، كتجنب رفع الصوت عاليًا وعدم الحدة في النقاش معه، وما شابه ذلك، وهي أمور تغيب عن واقع أبناء المهاجرين الذين تنقصهم فرصة اكتساب أساليب التعامل مع الجدات والأجداد وكبار القوم، لبعدهم عنهم.

 

المعالجات المقترحة

  • ربط الأبناء بالمجتمع المحلي في الوطن: وذلك عن طريق تكرار الزيارات والتواصل مع الأهل بصورة دورية ومتقاربة.
  • تجنب الحديث بسخرية عن الوطن وقضاياه السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية: لأن ذلك يقلل من شأن الوطن في نظر، الناشئين ويحملهم على الزهد فيه وفي الدفاع عن قضاياه أمام الآخرين، ما يولد الشعور بعدم الانتماء، ويكرس روح التقوقع والرضا بالدونية.
  • الاهتمام بالتدريس المنزلي من قبل الوالدين، لأن ذلك يعمل على التوجيه الفكري والمعرفي نحو الوطن من حيث التاريخ والهوية والثقافة وغيرها.
  • التركيز على التحدث باللغة الفصحى مع مراعاة تعمد استخدام المفردات المحلية وبيان دلالاتها، في كل المعاملات الخاصة بأفراد الأسرة.
  • تبصير الناشئين بكيفية التعامل مع الكبار، وطريقة توقيرهم، والبعد عن التعامل معهم بندية، وإشعار الكبير – كالأجداد والجدات – بأهميته، والاستفادة من خبرته وتجاربه، وهنا تبرز أهمية دور وفعالية أحاجي الحبوبات في التربية، كقصص منبثقة من التراث الشعبي والموروث الثقافي.

 

من أساليب تربية الأولاد في بلاد المهجر

  • إشباع حاجات الطفل النفسية والروحية باعتدال.
  • حرية اللعب والتعبير عن الذات: مع توفير المعينات التي تسهم في تنمية المهارات.
  • التربية بالحوار: الحوار قيمة إنسانية وذو أهمية عظيمة في بناء الشخصية، لأن الحوار يثير تلك الدوافع، وينمي روح الجماعة والتعاون واحترام الرأي الآخر.
  • تشجيع الهوايات والمواهب: كالقراءة والاطلاع والرسم والخط والرياضة، والعمل على صقلها وتوجيهها.
  • المرونة في التعامل مع الطفل، والتقليل من الأوامر والنواهي، واللوم والتوبيخ، لإتاحة الفرصة له ليبني ذاته.
  • تكافؤ معاملة الأبناء، وعدم التفريق بينهم بسبب الجنس أو الذكاء أو أي عامل آخر.
  • القدوة الحسنة: الأطفال بطبعهم يميلون إلى التقليد، وعليه فإن سلوك الوالدين أو المربين من أهم وسائل تربية الأولاد.
  • الملاحظة والتوجيه: مراقبة الطفل في تصرفاته، وحركاته، وأفعاله، بالملاحظة الدقيقة، ثم توجيه السلوك الخاطئ، وتنمية الصحيح.

 

التربية على السلوك الإسلامي

الحمل على الآداب العامة، كأدب الطعام والشراب، والاستئذان، والسلام، وأدب الطريق، وتوقير الكبير، واحترام الرأي الآخر، والتشجيع على المشاركة الجماعية، إضافة الى جملة من المبادئ الإسلامية الأخلاقية، مثل:

  • التفريق بينهم في المضاجع: بعد أن يبلغ الطفل سن التميز والإدراك، والإحساس بالغريزة، ينبغي ضبط وتوجيه سلوكه، والتفريق بين الأطفال في المضاجع في هذه المرحلة هو أحد أساليب الضبط والعلاج النفسي، كما في الحديث الشريف: (وفرقوا بينهم في المضاجع)، ويكون التفريق بينهم على كل حال، سواء كانوا ذكورًا فقط، أو إناثًا فقط، أو ذكورًا وإناثًا.
  • الحث على العبادة وتعظيم حرمات الله: لحمل الطفل على الشعور بأهمية العبادة، وخطورة انتهاك حرمات الله، وليتدرب على ذلك منذ الصغر.
  • التحذير من الباطل وأهله، وكشفه للطفل.
  • التحذير من المحرمات وخطرها.
  • التحذير من قرناء السوء.
  • التحذير من التقليد الأعمى وخطره.
  • التحذير من اللهو وإهدار الطاقات، وضياع الوقت فيما لا يعني.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم