يعتمد التشريع الإسلامي على عنصرين رئيسيين لا يمكن فصلهما عن بعضهما، هما: القرآن الكريم والسنة النبوية، فالقرآن الكريم المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وقد حفظه الله تعالى من كل تحريف وتغيير، وأما المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، فهو السنة النبوية المطهرة، ولكي يحقق المسلم كمال الإيمان ويتمم أفعاله بالوجه الذي يرضى الله تعالى عنه؛ وجب عليه أن يكون متبعا للسنة المطهرة كما يتبع القرآن الكريم.
والحقيقة أن نظرة الصحابة إلى السنة كانت نظرة فريدة حقًا، وتعظيم الصحابة للسنة كان بدرجة لا يتخيلها إلا من درس حياة الصحابة بعمق، ودرس كل نقطة من نقاط حياة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
لقد نظر الصحابة إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم على أنها التفسير العملي للقرآن الكريم، وهو الترجمة لوصف السيدة عائشة رضى الله عنه لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم حينما قالت: [كان خلقه القرآن].
ولكان لشدة اقتفاء أثر النبي فيما يقوم به أن كان الصحابة يتلمسون موضع قدمه، بل إن كثيرًا من الصحابة الذين بلغوا من العمر أرذله كانوا يبكون في أواخر حياتهم لعدم قدرة أجسادهم على الاتيان بما كان يقوم به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقبل الحجر ويقول: [إني لأعلم أَنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أَني رأَيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك] (رواه الجماعة).
ولهذا كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على اتباع سنته في صيام ستة أيام من شوال، كما كان أيضا نهج التابعين من بعدهم في الاقتفاء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمها في عبادته وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما نهى، والاجتهاد في ذلك كله، وهو ما يجب أن نكون مثلهم.
ففي الحديث الذي رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر».
كان الصحابة يدركون أن صيام الست من شوال هي سنة مستحبة وليست واجبة، لكنهم رأوا فيها فضلًا عظيمًا ومنافع كثيرة؛ فأقبلوا على صيامها لعظيم أجرها.
ولهذا جاء تصريح الفقهاء من الحنابلة والشافعية والأحناف: بأن صوم ستة أيام من شوال بعد رمضان يعدل صيام سنة فرضا، وإلا فإن مضاعفة الأجر عموما ثابت حتى في صيام النافلة لأن الحسنة بعشرة أمثالها، للحديث الذي رواه النسائي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم: [جعل الله الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام تمام السنة]، وإن كان ذلك مخالف لرأى المالكية الذي ترى كراهة في صيامها معللا أنه لم ير أحد من أهل العلم يصومها، ومخافة أن يلحق برمضان ما ليس منه.
لكنها مع كونها فرصة لمضاعفة الجر هي أيضا جبر للنقص الواقع في رمضان، فلربما يضعف المسلم في بعض الأحيان في شهر رمضان أمام أهوائه وشهواته؛ فيسقط تارة في نقص العبادة، ويسهو تارة أخرى فيقترف ذنباً يحول بينه وبين إتمام صيامه بالهيئة المطلوبة، لذلك أكرم الله المسلم بفرصة صيام هذه الأيام لتعويض النقص الذي حصل في شهر رمضان.
وليس ذلك فحسب بل فرصة لتقرب العبد من ربه حيث يعد صيام التطوع دليلا على حب العبد لأداء الطاعات، ودليلا على رغبته في مواصلة أدائها.
وصوم النفل يهيئ المسلم للرقي في درجات القرب من الله تعالى، والظفر بمحبته، كما في الحديث القدسي: [ما تقرّب إليّ عبدي بأفضل مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه] رواه البخاري.
والأفضل أن تكون هذه الأيام الستة متتابعة. ويجوز تفريقها أثناء الشهر، قال في سبل السلام: (واعلم أن أجر صومها يحصل لمن صامها متفرقة أو متوالية، ومن صامها عقيب العيد أو في أثناء الشهر).
والظاهر من قولي أهل العلم أنه إذا خرج شهر شوال ولم يصمها فإنها لا تقضى، لأنها سنة فات محلها، والشارع خصها بشوال فلا يحصل فضلها لمن صامها في غيره.
فالست فيها زيادة خير ومصلحة عظيمة، وفائدة كبيرة في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
.