إنها تلك الآثار المحسوسة التي يعاني منها الفرد أو المجتمع المسلم من نواح عديدة، وسنقتصر في الجانب المالي مع الفرد والمجتمع:
- آثار المعصية المالية على الفرد
كم نرى موظفًا يتقاضى راتبًا قياسيًا ولكنه يظل في ضنك من الحياة... نفقات لا تغطي احتياجات الأسرة من الغذاء والكساء والدواء، وقد يبني قصرًا أو بيتًا فاخرًا ثم يخر عليه السقف من فوقه، أو يشتري سيارة ذات طراز نادر، ولكن لا يلبث أن تصطدم أو تسرق أو تتعطل كليًا، وقد يصاب بمرض عضال يلزمه الفراش، ولا يستطيع الاستفادة من المال الذي جمعه وعدده.. تشتت الأسرة وانتشار العداوة والبغضاء والإحن وسوء التفاهم بين الأبناء والآباء والأمهات.. خصومات واشتباكات لا نهاية لها، وقد تمتد آثار ذلك إلى الجيران والأصدقاء، بل إلى أماكن العمل أحيانًا.
كل هذه الآثار، إذا لاحظها المرء في حياته فليتهم نفسه، ولينظر إلى حاله، لعله يرى معصية ارتكبها لم يتب بعدها.. هل تعامل مع البنوك الربوية بغير عذر؟ هل تأخر أو غاب عن عمله بدون حجة معقولة؟ هل قام بفساد إداري في كهرباء المؤسسة أو مياهها أو تهويتها أو هواتفها؟ هل استهلك بنزينها لأغراض شخصية بإيصال مختلق؟ هل سافر باسم المؤسسة وزاد المسافة في ورقة الانتقال رغبة في تعويضات أكثر؟ هل استهلك الميزانية التي بررها بفواتير وهمية؟ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الأنفال: 53).
- آثار المعصية المالية على المجتمع
إذا انتشرت المعاصي في قوم مع غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عمتهم آثارها، لهذا لا غرو أن تشهد المجتمعات المسلمة كوارث مالية وبيئية جماعية كالأسواق والمحلات التجارية المحترقة، المجهولة أسباب حريقها والتي تذهب بملايين الدولارات وتحصد العديد من الأرواح، كما نجد الآفات الزراعية التي تتمثل في القحط المتكرر أو غزوات الجراد، بعد ما ظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمر الله ليلا نهارا فجعلها حصيدا كأن لم تغن بالأمس.
والمدقق في هذه الأحداث يرى أن السبب الغالب يكمن في الزكوات المرفوضة، والحقوق المغصوبة وغيرها من المعاصي المسكوت عنها، فليس بدعًا إذن أن تتحول تلك المعاصي نارًا تعذب صاحبها في الدنيا كما ستعذبه في الآخرة: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:35)، وهكذا يرجع المفكر الإسلامي الكوارث إلى المعاصي والإعراض فيقول: "...كما يمكننا رصد العديد من الملمات والزلازل والأحداث والسيول والفيضانات والانهيارات والتفجيرات البركانية الهائلة التي مست التجمعات البشرية، والتي ترجع- حسب العرض القرآني- إلى الإعراض عن اتباع ذكر الله، والاستهزاء بذاته سبحانه وتعالى وبرسالاته لأنبيائه، والنكوص عن الوفاء بعهد أبينا آدم عليه السلام الذي قطعه أما ربه بعد أن تاب عليه، والإفساد والطغيان والظلم والاستكبار والعلو بغير الحق في الأرض، وليس له في القرآن تفسير غير هذا".
وللتخلص من هذه الآثار، يتزود المسلمون بعزيمة الإقلاع عن الذنوب، لأنه: إذا ظهرت العزيمة على ترك المعاصي، وجد القلب قوة على زجر النفس، ورفض ما عزمت عليه، فانقمعت النفس وذابت، وسكن غليان الشهوة، وماتت اللذة، وسكنت العروق، ودرست صورة تلك المعصية عن الصدر".
.