إن الحديث عن البركة حديث ذو شجون ومطلب عزيز تتطلع إليه النفوس وتهفو إليه الأفئدة في زمن افتقدنا فيه البركة في كل شيء، والبركة جند من جنود الله يضعها حيث يشاء لعبد من عباده، فإذا وضعت في المال كثرته، وإذا وضعت في الولد أصلحته، وإذا وضعت في البدن قوته، وإذا وضعت في الوقت عمرته، وإذا وضعت في القلب أسعدته.
فالبركة إذن من الله، والله ينزلها من السماء ويضعها في الأرض، يبارك الله سبحانه في الأشياء المادية، فتنمو وتزيد، ويبارك في الأشياء المعنوية فتزكو وتظهر وتكون رحمة وهداية، وقد بين الله في كتابه الكريم أنه خلق الأرض، وبارك فيها، كما وضع البركة في رسله وكتبه وعباده الصالحين، ووضعها في الأمكنة التي خصها الله سبحانه بأنواع من البركة، ويحاول الباحث عبد الرازق السيد عيد، في هذه العجالة أن نتلمس بعضها، علنا نصيب منها:
أولًا: شهر رمضان شهر مبارك
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان؛ شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين؛ لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم».
وبتأمل هذا الحديث الشريف نلاحظ ما يلي:
- وصف النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بـ (المبارك).
- ومن علامات بركته:
- فرض الله صيامه.
- تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم.
- ومن معالم البركة أيضا أن مردة الشياطين تغل في هذا الشهر، فيقل الشر ويكثر الخير وأهله، والحمد لله.
- ومن معالم البركة الواردة في حديث أبي هريرة المتقدم أن في رمضان ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، ولا شك أن هذه الليلة المقصودة هي ليلة القدر، وقد سماها الله تصريحا بالليلة المباركة، فقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (الدخان: 3).
ثانيًا: القرآن مبارك:
وصف الله تعالى الليلة التي أنزل فيها القرآن بالمباركة؛ لأن القرآن الذي أنزل فيها كتاب مبارك، لقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام: 155)، وهذا في مقام إقامة الحجة على العرب وعلى غيرهم ودعوتهم لاتباعه إذا أرادوا رحمة الله.
وقوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (الأنبياء: 50).
وكذلك قول الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29).
ثالثًا: بركة التقوى:
التقوى ثمرة الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)، فالصوم سبيل التقوى، والقرآن تذكرة للمتقين وهدى للمتقين، وقد اجتمعا في رمضان، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96).
رابعًا: السحور بركة:
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تسحروا؛ فإن في السحور بركة» (متفق عليه). فالسحور بركة؛ لأن الوقت الذي يكون فيه السحور وقت مبارك ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا؛ يغفر الذنب ويقبل التوب ويجيب الدعاء، ولذلك يستحب تأخير السحور إلى ما قبل الفجر بقليل، وقد ثبت في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه تسحر مع رسول الله، وقد كان بين السحور والفجر مقدار قراءة خمسين آية، وفي السحور بركة لأنه فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، فقي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص قال صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر».
وفي السحور بركة لأنه استجابة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يدعو المسلم في هذا الوقت المبارك بدعوة لا ترد.
وفي السحور بركة؛ لأن المسلم يستعين به على طاعة الله وفيه بركة لأنه يدرك معه صلاة الفجر ويفوز برضا الله سبحانه وتعالى وحفظه، ويدرك بركة البكور وخصوصا لو اتبع السنة وأخر السحور كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
.