آداب المرور في الإسلام

ما من يوم ينقضي إلا ونسمع عن عدد من حوادث السير المفجعة التي تحصد الأرواح، مما جعل اتخاذ كل ما من شأنه حماية أرواح الناس، وممتلكاتهم العامة، والخاصة مطلبًا ضروريًا ملحًا تحميه الشريعة الإسلامية والنظم والقوانين الوضعية، وخاصة أن نصوص الشريعة الإسلامية قد حمت حق الإنسان في الوجود، وحقه في الأمن والأمان، وشرعت الحدود التي تحفظ هذا الحق وتصونه.

وفي هذه الدراسة، يرى د. حسن تيسير شموط، أن القوانين والتشريعات التي تصدرها الدول في هذا الصدد تواكب وتساير ما جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء في صيانة الدماء والأموال، وحماية حق البشر في الأمن والأمان، ويعد الخروج عن هذه النصوص الشرعية والقانونية مخالفة صريحة، ويعد المخالف آثمًا وعاصيًا، لأن النظم والقوانين التي وضعتها إدارة المرور تخدم بالدرجة الأولى مصلحة الفرد والمجتمع، ولأنها تؤدي في النهاية إلى توفير السلامة والأمن والأمان لسالكي الطريق، لذا فعلى الجميع الالتزام بهذه النظم وتلك القوانين لأنها سنت لمنع الأذى.

 

الإسلام وحفظ النفس

وقد حمى الله جل شأنه النفس البشرية وأكد حقها في الحياة عندما عد قتل نفس واحدة قتلًا للبشرية كلها، وعد إحياءها إحياء للبشرية كلها، يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ولَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ أن كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} (المائدة: 32).

وقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة في مجال المحافظة على النفس والمال، وهي تشمل جميع جوانب الحياة، ومنها السير في الطرقات، إذ يقول صلى الله في وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، وفي رواية أخرى: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمهاجر من هجر السوء فاجتنبه».

وجاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر»(5) وفي رواية أخرى: «وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال».

ويعد هذا الحديث قاعدة عظيمة في إرساء آداب الطريق وحقوقها التي ينبغي مراعاتها، يقول النووي: «هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث، ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة، وظن السوء، واحتقار بعض المارين، وتضييق الطريق، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون، أو يخافون منهم، ويمتنعون من المرور في أشغالهم بسبب ذلك، لكونهم لا يجدون طريقا إلا ذلك الموضع».

ويلاحظ في هذا الحديث القاعدة العظيمة التي نص عليها النبي صلى الله في وسلم: «فأعطوا الطريق حقها»، وهي قاعدة عامة يدخل فيها جميع ما يطرأ ويتطور في كل زمان ومكان من أمور تتعلق بالطرق، كقوانين السير، وقيادة السيارات، وتقنيات مختلفة، مما يتعين على الناس الالتزام بها وتطبيقها والمحافظة عليها، والحذر من مخالفتها. حفظا للصحة والسلامة وتجنبا لكوارث الحوادث المفسدة للجسم والمال.

 

وبالرجوع إلى النصوص الشرعية يمكننا القول إن آداب المرور وضوابط الطريق هي:

أولًا: النهي عن الجلوس في الطرقات، لأنه يضيق على الناس مسيرهم وحركة مشيهم، وقيادتهم لسياراتهم، وهذا يعرض الناس إلى خطر حوادث السير، ومن الأمثلة العملية للجلوس في الطرقات: وقوف السيارات في منتصف الطريق، أو اصطفاف السيارات في الأماكن الممنوع الوقوف بها.

ثانيًا: كف الأذى عن الطريق. وهذا الأدب النبوي عام في كل ما يتناوله لفظ الأذى، فيحظر على المسلم إلقاء القاذورات وفضلات الطعام في الشوارع، ويجب عليه ألا يصدر عنه أي نوع من الإزعاج كالضجيج الذي يصدر عن منبهات بعض السيارات، والتلوث الصادر عن عوادم بعض السيارات والحافلات.

ومن أنواع الأذى التعدي على الناس في أثناء سيرهم في الطرقات العامة، علمًا بأن حق الطريق حق مشترك، وينبغي على كل فرد أن يفسح الطريق لأخيه حتى لا يقع مكروه لا تحمد عقباه، ويشمل الأذى النهى عن السرعة في قيادة السيارات، فإن أكبر أذى وأعظمه أن يقتل الإنسان نتيجة تلك السرعة.

ثالثًا: المشي والركوب على هون، وذلك مستنبط من قوله تعالى: {وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان: ٦٣).

خامسًا: إغاثة الملهوف وهداية الضال، وهذا يشمل مساعدة من تعطلت سيارته، أو من تضرر بسبب الحوادث، ويقع العائق الأكبر على الجهات المختصة، إضافة إلى وضع علامات وإشارات على الطريق تساعد في هداية الناس وإرشادهم إلى الطرق التي ينبغي أن يسلكونها.

سادسًا: عدم ترويع الآمنين وتخويفهم. لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا»، وليس هناك ترويع أشد من السرعة الزائدة عن حدها التي تؤدى إلى قتل الإنسان وتمزيق جسده، بالإضافة إلى ما تخلفه من جروح وعاهات وتشوهات تدمى لها القلوب.

سابعًا: التقيد بوسائل الأمن والسلامة على الطرقات، وذلك امتثالًا لقوله تعالى: {ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة:  195)، فيحافظ السائق على السيارة وصيانتها الدورية، ففيه المحافظة على صحته وصحة غيره وسلامته، وكذلك التزام السائق بوضع حزام الأمان يقيه من خطر الحوادث، وهو نوع من الأخذ بالأسباب، والتوكل على الله، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (النساء:  ٧١)

ثامنًا: تخفيف السرعة والتأني في أثناء القيادة يعود على الإنسان بخير، فالإفراط في السرعة فهو مصدر لإلقاء الرعب والخوف في قلوب الآمنين وإفساد في الأرض وإهلاك لأنفس بريئة واعتداء على أثمن شيء يملكه الإنسان في هذا الوجود، ألا وهو حق الحياة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم