Business

العوامل المؤثرة في انحراف أو استقامة السلوك البشري

يعرف السلوك في علم النفس الحديث بأنه أخلاق الفرد وتعامله مع الآخرين، وهذا الفهم يأتي من استخدام كلمة السلوك في الحياة اليومية، فنقول فلان سلوكه حسن، ويعرف من وجهه نظر أخرى بأنه كل ما يقوم به الفرد ويظهر للآخرين، وهذا التعريف لا يتضمن السلوك غير الظاهر.

وفى هذه الدراسة يقول الأستاذ الدكتور مصطفى رجب، إن القرآن الكريم يوضح أن مصدر السلوك للمسلم هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وبهذا يختلف مصدر تلقي السلوك عن باقي المدارس الفلسفية والتربوية الأخرى التي تجعل المجتمع أو الفرد مصدرا لتلقي السلوك.

 

العوامل التي يتأثر بها السلوك في القرآن الكريم

الوراثة والبيئة: بينت الدراسات النفسية الحديثة أن السلوك الإنساني يتأثر بعاملي الوراثة والبيئة، والقرآن الكريم يعترف بالوراثة والبيئة ولكن لا يراها العامل الحاسم والمطلق في السلوك، بل القرآن الكريم يعلي من الفهم الواعي والعقل الراجح ويراه العنصر الحاسم في السلوك.

وأشارت الكثير من الآيات القرآنية إلى أناس لا يفكرون وجعلتهم بمستوى الأنعام. قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} (الفرقان: 44) وهؤلاء الذين لا يعقلون ولا ينفعهم تفكيرهم غير جديرين بصفة الإنسانية بل اعتبرهم القرآن بمستوى الدواب.

 

أقسام السلوك الواردة في القرآن الكريم

يمكن تقسيم السلوك الإنساني الوارد في القرآن الكريم إلى عدة أقسام:

  • السلوك الفطري: وهو السلوك الإنساني المرتبط بالفطرة التي فطر الله الناس عليها. قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم: 30).
  • السلوك المكتسب: وهي الخبرات والمعارف التي يتعلمها الإنسان بالممارسة بعد مولده، ويدل على هذا السلوك قوله تعالى: {واللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (النحل: من الآية 7).
  • السلوك الظاهر: وهو السلوك الذي يباشره الإنسان ويظهر للآخرين، كالصحة والحج والصوم والجهاد في سبيل الله، قال تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (الأنفال: 3) وقال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وقرآن الفَجْرِ إنَّ قرآن الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء: 78).
  • السلوك الباطن: وهو السلوك الذي يباشره الإنسان ولا يظهر للآخرين، وقد يستدل على آثاره بشكل مباشر أو غير مباشر. مثل سلوك الذكر، والتفكر، قال تعالى: {... وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).
  • السلوك العقلي: وهو سلوك يستند إلى العقل، وهذا ما يميز الإنسان على سائر المخلوقات، لأنه مناط التكليف، والقرآن الكريم حث على استخدام العقل، ومن ذلك قوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الحديد: من الآية 17)، وقوله: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قرآنا عَرَبِيًا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 3).
  • السلوك الانفعالي: وهو سلوك ناشئ عن المشاعر والأحاسيس والانفعالات، وهو سلوك يمكن ملاحظته وقد لا يلاحظ، ومن ذلك سلوك الخوف عند موسى عليه السلام حين رأى الأفعى وهي تهتز، قال تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولَّى مُدْبِرًا ولَمْ يَعْقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ ولا تَخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} (القصص: 31).
  • السلوك الفردي: وهو سلوك يقوم به فرد، ومن ذلك قوله تعالى: {وجَاءَ مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ} (يس: 20).
  • السلوك الجماعي: وهو سلوك تقوم به جماعة إما في وقت واحد أو أفراد في أوقات مختلفة، ومن ذلك قوله تعالى: {قَالُوا إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (يس: 18)، فالآية الكريمة تتحدث عن سلوك أصحاب القرية في مخاطبة الأنبياء وهو سلوك جماعي.

 

أسباب انحراف السلوك في القرآن الكريم

الإنسان مفطور على الإسلام، ولكن الإنسان يقبل الشر والرذيلة أحيانا، وإقباله على الشر والرذيلة يكون بالاكتساب من البيئة التي يعيش فيها، سيما إذا كانت هذه البيئة تتيح له ممارسة سلوكيات منحرفة دون أن تزجره وتنهاه عنها، ومن أسباب انحراف السلوك عن الطريق المستقيم:

  • الابتعاد عن الإيمان الصحيح: إذا ابتعد الإنسان عن العقيدة الإسلامية انحرف سلوكه، وابتعد عن الطريق المستقيم، فالانحراف الذي يحدث في السلوك غالبا هو نتيجة البعد عن الصراط المستقيم، ونتيجة لاضطراب العقيدة والفكر والمشاعر.
  • انحراف الفطرة: الفطرة المنحرفة سبب لوقوع مختلف السلوكيات الخاطئة، ومن مظاهر انحراف الفطرة: الكفر، والشرك بالله.
  • تغييب المنهج الإلهي عن الواقع العملي: إن غياب المنهج الرباني عن واقع التطبيق العملي في حياة الأفراد والجماعات، يودي إلى انحراف في سلوك الأفراد وانتشار الفساد، قال تعالى: {ومَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وإنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ويَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} (الزخرف 36-37).
  • عدم إدراك الإنسان غايته من الحياة.
  • عداوة الشيطان المستحكمة للإنسان.
  • الصحبة الفاسدة ورفاق السوء.
  • ضعف الإيمان: على المسلم أن يتعهد إيمانه يحاسب نفسه وينظر إلى أسباب نقصانه ويتحاشاها ويتلمس أسباب الزيادة.

ومما يثبت أن ضعف الإيمان سبب في انحراف سلوك الإنسان، حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن».

ومن أهم أسباب زيادة الإيمان:

  1. العلم: فالاستزادة منه سبب في زيادة اليقين.
  2. العمل الصالح.
  3. ذكر الله سبحانه وتعالى وتلاوة كتابه.
  4. التأمل والنظر في خلق الله ومعجزاته.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم