Business

هيئ قلبك لاستقبال رمضان

لشهر رمضان منزلة ومكانة في قلوب المؤمنين، وذلك لأنه شهر لين القلوب، وفعل الخيرات، وترك النكرات، وفي هذه الدراسة، يرصد الباحث أسامة سليمان، كيف نستقبل هذا الضيف العزيز الذي غاب عنا أحد عشر شهرًا، ثم ها هو يأتينا بعد فراق، ونلاقيه بعد بعاد، يأتينا بعطاياه ومنحه، فهو شهر القرآن وشهر القيام، شهر العتق من النيران، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، شهر ليلة القدر.

 

 التعجيل بالتوبة        

فالظلم كل الظلم ألا نعجل بالتوبة النصوح : {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات :11]، وكفى بالتوبة شرفًا أن الله يحب أصحابها: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222].

والتوبة تمحو الذنوب حتى وإن كانت كالجبال وتقي سوء الخاتمة التي هي سبب الهلاك والعذاب: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [سورة التوبة : 74].

فلنسارع بالتوبة قبل استقبال هذا الضيف العزيز، ولنبادر بها لنكون من الفرحين بالطاعات، الفرحين عند لقاء رب البريات، فللصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه.

 

التفقه في أحكام الصيام

ومن الأمور المهمة عند استقبال هذا الشهر الكريم: التفقه في أحكام الصيام، ومعرفة هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلندرس شروط الصيام، وأحكام صلاة القيام، فضلًا عن آدابه وسننه، وأحكام الأعذار المبيحة للفطر من سفر ومرض، لنكون على بصيرة ونعبد الله بما شرع، فكل عبادة يجب أن تكون صحيحة موافقة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون مقبولة، قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».

 

إدخال السرور على المسلمين

فهو شهر تفتح فيه أبواب الخير، سواء كانت دنيوية أم أخروية، فوسع أخي على إخوانك وأهل بيتك وأرحامك وجيرانك، فأفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المسلم السرور، وتقضي عنه دينًا، أو تطعمه خبزًا.

فلنتحول في هذا الشهر من الإساءة إلى الإحسان، ومن التقاطع إلى التعاطف والتراحم، فنطعم إخواننا مما نطعم، ولندخل السرور عليهم، ولنشاركهم قضاء حوائجهم، ولننفس عنهم كروبهم، فمن نفس عن أخيه كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

فلنجعل رمضان ملتقى للأحبة وسائر الأرحام والإخوان في طاعة الرحيم الرحمن.

 

النظافة والتطهير     

ونقصد بها النظافة الباطنة والظاهرة، والنظافة الباطنة هي نظافة القلب من الشرك والمعاصي، كبائر كانت أم صغائر، قال تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، ونظافة الظاهر بالطهور من غسل ووضوء وطهارة البدن، وذلك التخلي يسبق التحلي، فقبل أن نتحلى بصيام رمضان لابد أن نتخلى عن النجاسات بنوعيها الباطنة والظاهرة: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].

 

حسن الخلق ولين الجانب وعفة اللسان والرحمة بالصغير وتوقير الكبير        

وهذه المعاني يجب أن نجعلها نقطة تحول في هذا الشهر الكريم، فكما أن رمضان تتغير فيه العادات التي ألفها المرء طوال العام، فلا بد أن ينعكس هذا التغير على خلقه الذي هو أثقل ما يوضع في الميزان حتى إنه لينال بحسن خلقه درجة القائم الصائم، وفي الحديث أيضًا: «أثقل شيء يوضع في الميزان: الخلق الحسن».

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن البر هو أحسن الخلق، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.

فلنبادر بالتحول في موسم الطاعات وشهر البركات والنفحات من الفرقة إلى الوحدة، ومن التحزب والتعصب إلى المودة والرحمة، ومن الفحش والتفحش واللعن والسباب إلى الحلم والعفو والصفح والتغاضي عن الزلات، ولنجعل رمضان منطلقًا للألفة ومقاطعة للسب والتلاعن والهجر، مصداقًا لقوله سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [ آل عمران:159]، والراحمون يرحمهم الرحمن، ومن لا يرحم لا يرحم.

 

التقلل من الطعام          

فهو من مقاصد الصيام لإعطاء المعدة فرصة للراحة وإعطاء النفس فرصة للطاعة، فكثرة الطعام تقسي القلوب حتى تجعلها كالحجارة وتثقل الطاعة على النفوس، ولذا فمن أراد الاستمتاع بالذكر والصلاة، فلا يكثر من الطعام بل يخفف منه، فإن قلة الطعام توجب رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب.

 

معرفة شرف الزمان

ذلك لأن الوقت هو الحياة، وهو رأس مالك الذي تتاجر فيه مع الله، وتطلب به السعادة، وبقدر ما تفقده منه في غير الأعمال الصالحة تفقد من السعادة في الآخرة بقدره.

قال ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته فلا يضيع فيه لحظة في غير قربة.

ورمضان –إخواني- من أنفس لحظات العمر، وهو كما قال الله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران:24]، وهذا يشير إلى كونها قليلة وسرعان ما تنقضي فهي سريعة الرحيل.

فبادر أخي باغتنام الأوقات في هذا الشهر الكريم، فمشقة الطاعة تمر ويبقى أجرها عند الله، فساعة الذكر والطاعة ثروة وغنى، وساعة اللهو إفلاس وندامة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم