التربية في الإسلام عملية هادفة، لها أغراضها وأهدافها وغايتها، فالمربي الحق علي الإطلاق هو الله الخالق.
والتربية وفقا لكتاب "أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع" للمؤلف عبد الرحمن النحلاوي، تقتضي خططا متدرجة تسير فيها الأعمال التربوية والتعليمية وفق ترتيب منظم صاعد، ينتقل مع الناشئ من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة. وعمل المربي تال وتابع لخلق الله وإيجاده، كما أنه تابع لشرع الله ودينه.
والقرآن قد ترك أثرا لا شك فيه في تربية نفس رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته، وقد شهدت بذلك السيدة عائشة زوج رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فقالت في وصفه: " كان خلقه القرآن".
ومنهجية القرآن في التربية تسير في اتجاه فرض الإقناع العقلي مقترنا بإثارة العواطف والانفعالات الإنسانية، مربيا بذلك العقل والعاطفة جميعا.
ويبدأ القرآن من المحسوس المشهود المسلم به: كالمطر، والرياح، والنبات، والرعد، والبرق، ثم ينتقل إلى استلزام وجود الله، وعظمته، وقدرته وسائر صفات الكمال.
والقرآن قد بدأ نزوله بآيات تربوية، فيها إشارة إلى أن أهم أهدافه تربية الإنسان بأسلوب حضاري فكري، عن طريق الاطلاع والقراءة والتعليم والملاحظة العلمية لخلق الإنسان منذ كان علقة فى رحم أمه (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذى علم بالقلم * علم الإنسان مالم يعلم). }العلق: 1-5{. كما أن الله تعالى أقسم أحد عشر قسما ليقرر أن النفس الإنسانية قابلة للتربية والتزكية والتسامي.
الرسول المربي
وبعد القرآن كانت التربية النبوية، فالباحث في شخصية الرسول - صلي الله عليه وسلم – يجد مربيا عظيما ذا أسلوب تربوي فذ يراعي حاجات الطفولة، وطبيعتها، ويأمر بمخاطبة الناس علي قدر عقولهم، أي يراعي الفروق الفردية بينهم، كما يراعي مواهبهم واستعداداتهم وطبائعهم، ويراعي في المرأة أنوثتها، وفي الرجل رجولته، وفي الكهل كهولته، وفي الطفل طفولته ويلتمس دوافعهم الغريزية.
وقد أدرك بعض علماء الإسلام هذه الأهداف التربوية النبوية، فصنفوا بعض أحاديثه -صلي الله عليه وسلم- تصنيفا ذا غاية تربوية مثل كتاب (الترغيب والترهيب) وهو مجموعة أحاديث تربي في النفس دوافع تحبب لعمل الخير، وروادع تبعد عن عمل الشر.
واشتق بعضهم من حياة الرسول -صلي الله عليه وسلم- موضوعات تربوية ألف فيها مثل (تحفة المودود في أحكام المولود) للإمام (ابن قيم الجوزية)، ومثل (الأدب المفرد) للإمام ( محمد بن إسماعيل البخاري )، وهو كتاب نبوي تربوي فيه توجيهات تربوية حول معاملة الأبناء ومعاملة الأيتام وتربيتهم، وآداب اجتماعية، وأحاديث عن رحمة الأطفال وتقبيلهم، والمزاح مع الصبي.
غاية التربية الإسلامية
ومن النظرة الإسلامية إلى الكون يتضح أن الهدف الأساسي لوجود الإنسان في الكون، هو عبادة الله والخضوع له، والخلافة في الأرض ليعمرها بتحقيق شريعة الله وطاعته.
وإذا كانت هذه مهمة الإنسان في الحياة، فإن تربيته يجب أن تكون لها نفس الهدف.
وكان المسجد من أوائل الوسائط التربوية الخادمة للاهداف التربوية الإسلامية، يربى فيه الناس علي الفضيلة، وحب العلم، وعلى الوعي الاجتماعي، ومعرفة حقوقهم وواجباتهم فى الدولة الإسلامية، التي أقيمت لتحقيق طاعة الله وشريعته وعدالته ورحمته بين البشر، فكان أن انطلق تعيم القراءة والكتابة، أي البدء بمحو الأمية من مسجد رسول الله -صلي الله عليه وسلم، وكان المسجد مصدر إشعاع خلقي، يتشبع فيه المسلمون بفضائل الأخلاق وكريم الشمائل.
وبعد المسجد تأتي الأسرة المسلمة كوسيط ثاني من وسائط التربية تليها المدرسة، ولم تصل الإنسانية إلى إيجاد المدرسة على الشكل الذي نراه اليوم إلا بعد أن مرت بمراحل طويلة، فقد كان الطفل في الحياة البداية يتعلم من أبويه ومجتمعه كل شئ بأسلوب غير مقصود وغير منظم.
بيد أنه كان للدين الفضل الأول في إيجاد تربية هادفة مقصودة، واشتق من المعابد أماكن ملحقة بها تخصص لتخريج مختصين بالدعوة إلى الدين ينقطعون للعبادة.
ولم يكن التعليم مقصورا علي الصغار، بل كان الصغار والكبار يتلقون التعاليم الدينية من رسل الله وأتباعهم، ويلقنونها لأبنائهم ومن يليهم.
وبعد أن ظهر الإسلام، كان المسجد أول مدرسة جماعية منظمة عرفها العرب، لتعليم الكبار والصغار، ولتربية الرجال والنساء. وبقي المسجد يؤدي وظيفة العبادة والتربية الإسلامية، دون تمييز واضح بينهما حتى عهد عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين ، فنشأ في عصره إلي جانب المسجد أو في بعض زواياه.
كان المسجد أو الغرف الملحقة به هو مكان هذه (الكتاتيب) في أول الأمر، وكانت الدولة تغدق العطايا لبعض العلماء القائمين على هذه الحلقات، وكانوا يدرسون كتبا معينة، في بعض العلوم، للمبتدئين في هذا العلم كالفقه والحديث، والتفسير، والنحو أحيانا.
المدارس في العصر العباسي المتأخر
وعندما استقلت الدويلات عن الخلافة العباسية، بدأ بعضها يبني مدارس للعلم كل مدرسة تؤوي عشرات من طلاب العلم، وكان نظام هذه المدارس داخليا يقوم على الانقطاع لطلب العلم، فكان في دمشق وحدها، مثلا، زهاء ثلاث مئة مدرسة في سفح جبل قاسيون ما تزال آثار كثير منها علي شكل قباب تشرف على بعض الحدائق العامة، هذا عدا عن المدارس التي كانت في قلب المدينة، كالمدرسة الظاهرية التي بناها الملك الظاهر، والمدرسة النورية التي بناها نور الدين الزنكي. وبقي التعليم في هذه المدارس حرا لا مركزيا من حيث المناهج والكتب والأساليب، مع ارتباطها ماليا بالدولة التي تجري تجري لها الجرايات، وتخصص لها الأوقاف والهبات دون أن تقيدها بنظام معين أو مناهج محدودة.
المدرسة المعاصرة
ولعل من أسباب وجود المدرسة الحديثة تغير نظام الحياة السياسية، فقد هيمنت الدولة على كل أمورالشعب، واعتبرت نفسها مسؤولة عنهم. والوظيفة الأساسية للمدرسة في نظر الإسلام هي تحقيق التربية الإسلامية بأسسها الفكرية والعقيدية والتشريعية وبأهدافها، وعلى رأسها هدف عبادة الله وتوحيده والخضوع لأوامره وشريعته، وتنمية كل مواهب النشء وقدراته على الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
والمدرسة كوسيط من وسائط التربية الإسلامية يقع على عاتقها وظيفة التبسيط والتلخيص، ووظيفة الصهر والتوحيد وإيجاد التجانس والتأليف بين الناشئين
والتكميل لمهمة المنزل التربوية.
إلا ان المدرسة الحديثة انزلقت بعيدا عن دورها كوسيط من وسائط التربية الإسلامية ولعل أهم مظاهر ذلك الانزلاق:
- الانعزالية: فقد كانت الكتاتيب، وحلقات المساجد تنبثق من الشعب لتربية الشعب المسلم وكانت على صلة دائمة بالشعب، فلم تكون طبقة مهنية معزولة عن الشعب.
- التبعية لثقافة الغرب وفلسفتها االمبنية على الإلحاد.
- وثنية الشهادات والامتحانات وجعلها غاية في ذاتها.
- تخريج موظفين آليين.
النشاط المدرسي كوسيط تربوي
إن التطبيق العملي السائد للنشاط المدرسي، لا يدل علي ارتباط حقيقي بينه وبين الأهداف التي وضع من أجلها في المناهج.
فالنشاط الرياضي مثلا، أصبح اليوم يأخذ بألباب الطلاب ويستهويهم، دون أن يعرفوا له هدفا ساميا أو وجهة تتعلق بعقيدتهم.
والنشاط الفني، أو ما يسمونه بالتعبير الفني أصبح مجالا للمماهاة ومضاهاة خلق الله بلوحات فنية وهو الذي لم تكن رايته في الأصل مجرد الاستمتاع بالفن وحسب، وإنما غايته تربية الأنامل المتقنة لبعض الصناعات الدقيقة، وإيصال المعاني السامية.
لو قارنا بين النشاط التربوي النبوي، وبين النشاط المدرسي القائم اليوم، لوجدنا أن النشاط في فجر الإسلام، يمتاز بميزات تنبع من صميم هدف التربية الإسلامية، ومن طبيعة الإسلام، ومن خلق النبوة، وهذه الميزات تصلح أن تكون شروطا لأي نشاط مدرسي، وهى:
- أن يكون واقعيا لا مصطنعا.
- أن يكون محققا للغاية المثلي للتربية الإسلامية: أي لشريعة الله وعبوديته، ولجميع ما ينتج عن التصورات الإسلامية للكون والحياة والإنسان ومسؤليته.
المجتمع ومسؤوليته التربوية
تتميز التربية الإسلامية أنها تربي المواطن المؤمن على تحقيق الخير والبر والعدل دون تعصب، هذا ما يميزها عن التربية القومية التي تستهدف إيجاد (المواطن الصالح) الذي يتعصب لقومه ووطنه دون أن يستهدف خيرا أو عدلا أو يبعد شرا عن الآخرين.
ومما يحقق معنى التعاون في التربية الاجتماعية الإسلامية، قضاء حاجات الناس، والتفريج عنهم، وستر عيوبهم، ونصحهم على انفراد، إن كانت من العيوب التي يمكن تركها.
.