بقلم: أحمد شوشة
التربية هي نتاج الخبرات المتراكمة التي يتعرض لها الإنسان في حياته. وتشمل الخبرات المباشرة وغير المباشرة؛ والخبرات المباشرة هي التي يتعرض لها الإنسان مباشرة أثناء عمله وممارساته الحياتية اليومية، والخبرات غير المباشرة هي الخبرات التي نكتسبها من خلال معايشة الآخرين ورؤية تصرفاتهم أو سماع كلامهم أو قراءة آرائهم وأفكارهم، من خلال هذه الخبرات نتشكل فكريًا وعقديًا ونفسيًا وروحيًا وسلوكيًا واجتماعيًا.
المنهاج
ومنهج جماعة الإخوان المسلمين في التغيير يعتمد على تغيير واقع الفرد والمجتمعات بالتربية التي تشمل التعريف والتكوين والعمل الدؤوب المتواصل.
«إن الإخوان المسلمين يهتفون بدعوة ويؤمنون بمنهاج ويناصرون عقيدة ويعملون في سبيل إرشاد الناس إلى نظام اجتماعي يتناول شؤون الحياة جميعًا اسمه الإسلام» (رسالة المؤتمر الخامس: أ. حسن البنا)
أهداف إرشاد المجتمع لدى جماعة الإخوان:
1- نشر دعوة الخير فيه.
2- ومحاربة الرذائل والمنكرات.
3- وتشجيع الفضائل.
4- والأمر بالمعروف.
5- والمبادرة إلى فعل الخير.
6- وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية.
7- وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما.
(رسالة التعاليم: أ.حسن البنا)
«إن غاية الإخوان المسلمين تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغة الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر الحياة: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} (البقرة: 138) (المؤتمر الخامس: أ.حسن البنا)
الوسائل لتحقيق هذه الأهداف
«إن وسيلة الإخوان تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتي يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليه والنزول على حكمها» «فالإقناع ونشر الدعوة بكل الوسائل حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان» (المؤتمر الخامس: أ.حسن البنا)
«والتعريف: بنشر الفكرة العامة بين الناس، ونظام الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية، ومهمتها العمل للخير العام ووسيلتها الوعظ والإرشاد تارة وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى، إلى غير ذلك من الوسائل العملية»، «والدعوة في هذه المرحلة عامة، ويتصل بالجماعة فيها كل من أراد من الناس متى رغب المساهمة في أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها» (رسالة التعاليم: أ.حسن البنا)
ولذلك اهتمت جماعة الإخوان في تربية المجتمعات وإرشادها على تعريض هذه المجتمعات لخبرات مباشرة وغير مباشرة تحقق هذه الأهداف.
من أمثلة التربية المباشرة للمجتمعات:
- تربية المجتمعات على تحري الحلال في كسب الأموال واستثمارها: حيث شجعت وساهمت بنشر الفكر الاقتصادي الاسلامي، وثقافة الربح الحلال؛ فتحركت مجموعات من رجال الأعمال بإنشاء بنوك تتعامل وفق الفكر المالي الإسلامي وضوابطه ومن ثم تدافع الناس للتعامل مع هذه البنوك؛ بل واجتهدت المؤسسات الغير إسلامية لإدخال النظم المالية الإسلامية في هيئتها فوجدنا بعض البنوك الربوية تفتح فروعًا إسلامية.
- التربية والتعليم على أسس من العقيدة والأخلاق الإسلامية: حيث وجهت الجماعة دعاتها لعرض الفرق بين التعليم على أساس النظريات التربوية الغربية التي تخرج لنا في أحسن الحالات (مواطنًا صالحًا)؛ وبين التربية الإسلامية القائمة على حقيقة العبودية لله والالتزام بالقيم والأخلاق الإسلامية التي تحقق تلك العبودية؛ فتخرج (إنسانًا صالحًا) يعمل لخير البشرية كلها؛ فتأسست الجمعيات والشركات وأنشأت المدارس الإسلامية التي تبنت منهاج التربية الإسلامية؛ وتجاوب المجتمع مع الفكرة وأرسل أطفاله للتعلم والتربية على هذه المفاهيم.
- تربية المجتمع على دور المسجد في الحياة الإسلامية؛ وأنه يشمل بجوار تأدية الفرائض والصلوات والتثقيف والوعظ الديني؛ دورا اجتماعيًا في محيطة مثل: الرعاية التكافلية مع الفقراء والمساكين واليتامى، وكالرعاية الصحية والعلمية للطلبة، وتوفير فرص عمل للعوائل، وما إلى ذلك؛ فتجاوب المجتمع؛ فأنشأت مؤسسات مسجدية تشمل كل هذه الأنشطة وغيرها، وتجاوب المجتمع مع هذه المؤسسات بتقديم أموال الصدقات والزكاة من ناحية ومن ناحية أخرى تجاوب المجتمع للاستفادة من هذه الأنشطة.
- تربية المجتمع على الاهتمام بالرعاية الصحية؛ ولذلك كان من المهم توفير هذه الرعاية بمستوى لائق وبأسعار تشجع أفراد المجتمع على الإقبال على العلاج؛ بل اتباع سبل الوقاية من الأمراض؛ وقد عرضت الجماعة الأفكار على أهل الخير، وأنشأت المستوصفات الصغيرة، والمستشفيات الكبيرة وتطوع بالعمل فيها خبراء وأساتذة الطب برواتب بسيطة وقُدمت رعاية طبية راقية تفاعل معها المجتمع بفقرائه وأغنيائه.
- تربية المجتمع على التكافل بكل أشكاله المالية والصحية والتعليمية؛ فدعت لإنشاء جمعيات في جميع المجالات التي يحتاج إليها المجتمع؛ فتفاعل المجتمع فأنشأ أهل الخير جمعيات -كل حسب مجاله- وانتفع المحتاجين.
- تربية أفراد المجتمع على العمل والإنتاج؛ فأنشأت مؤسسات خيرية تقدم خبرات وقروضًا حسنة للشباب؛ لفتح مشروعات إنتاجية.
- تربية المجتمع على الحرية وتقديم نموذج للعمل الشوري؛ وذلك من خلال الاشتراك وتشجيع تفعيل النقابات المهنية والعمالية، ونوادي أعضاء هيئات التدريس والاتحادات الطلابية بالجامعات؛ وإشراك أفراد المجتمع المتواجدين في هذه المؤسسات في إداراتها وفاعليتها مثل: إجراء انتخابات نزيهة بداخلها، ورفع مستوى الأداء السياسي والمهني، والدفاع عن المصالح السياسية والمهنية والطلبية، وما إلى ذلك.
من أمثلة التربية غير المباشرة للمجتمعات:
- ترسيخ العقيدة والقيم الربانية وإخلاص النية لله تعالي؛ بإرشاد المجتمع وتوجيهه إلى العمل النافع المؤسسي والخيري دون أن ينتظر مقابل أو حتي شكر؛ فأداء ما ذكرناه من أعمال كان خيريًا -في أغلبها- بدون عوائد مادية، وإنما أقيمت لتنفع المجتمع من ناحية وترقى بصاحبها إلى المنزلة التي يرجوها من الله بفضله وجوده وكرمه.
- ترسيخ معنى شمولية الإسلام في المجتمع؛ بما يقدمه المجتمع ذاته تحت مظلة القيم الإسلامية من نشاط اجتماعي وصحي وسياسي ومهني واقتصادي بل وعسكري كما دعت الضرورة في حرب فلسطين.
- ترسيخ معنى الأمة الإسلامية؛ من خلال إصدار بيانات عند كل حدث هام يحدث في أحد دول العالم الإسلامي يبين موقف الإسلام، وإقامة الاحتفالات والمظاهرات لمناصرة القضايا الإسلامية، وإثارة هذه القضايا في المحافل الدولية، وقد يصل إلى مشاركة المجاهدين بالدعم كما حدث في حرب الأفغان ضد الروس، أو حرب الفلسطينيين ضد العصابات اليهودية.
- ترسيخ حرية الرأي وتداول السلطة؛ وذلك بالمشاركة السياسية بإبداء الرأي في المواقف المختلفة بكل الوسائل المتاحة في الجرائد والمجلات والمظاهرات والمحاضرات وغير ذلك؛ وكذلك المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية وحتي الرئاسية.
- ترسيخ دور المرأة في الأسرة والمجتمع؛ وذلك بتعريف المجتمع بهذا الدور، وبفتح المجال للمرأة للمشاركة في كل أعمال وأنشطة الجماعة.
- ترسيخ العمل النقابي، والقيام بالواجبات قبل المطالبة بالحقوق المهنية؛ وذلك بالدفاع عن المطالب اتجاه أرباب المهن أو الدولة، والاهتمام بتنمية المهارات المهنية، هذا بجوار تقديم الخدمات المتنوعة للأعضاء.
- ترسيخ معني التضحية والثبات في سبيل الله عز وجل؛ وذلك بتقديم النموذج؛ عندما يتطاول الظالمين بالمضايقات لمثل هذه الأعمال والقائمين عليها، الذي قد يصل إلى القتل أو الاعتقال لسنوات عديدة.
- ترسيخ قيم إسلامية عديدة من خلال الاحتفاء بالمناسبات الإسلامية، مثل: التقويم الهجري، الاحتفال بالهجرة، ليلة الإسراء، غزوة بدر، استقبال رمضان بالزينات وإنارة المساجد وما إلى ذلك، صلاة التراويح بجزء من القرآن، الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، صلاة العيد في الخلاء، العبادات في العشر الأوائل من ذي الحجة، تشجيع العمرة والحج.
- نشر الثقافة الإسلامية؛ وذلك بإنشاء المطابع، ودور النشر والتوزيع الإسلامية، وسلاسل من المكاتبات، والتشجيع على التأليف في كل فروع الثقافة الإسلامية.
- ترسيخ معنى قدرة الأمة على تكوين القدوات الصالحة في كل المجالات؛ وذلك من خلال الإعداد لأفراد الجماعة للقيام بدور القدوة والريادة في المجتمعات؛ فقدمت أمثال:
1- الدكتور يوسف كمال (1932م : 2004م): حاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة عام 1955م، بترتيب الأول على دفعته في شعبة الاقتصاد، ثم عمل محاضرا بقسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وأستاذًا زائرًا بالأكاديمية الإسلامية للعلوم والتقنية ببيشاور في باكستان، وأستاذا للاقتصاد الإسلامي بالدراسات العليا في جامعة عين شمس وجامعة الإسكندرية، كما عين خبيرا اقتصاديا بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي. وكان ثمرة هذا الجهد مشروعه الفكري الذي ضم نحو: أربعة عشر كتابا في الاقتصاد الإسلامي، وثلاثة كتب في الأعمال الفكرية، وواحدًا وعشرين كتابا في تفسيره الحضاري للقرآن الكريم الذي اختتم به أعماله العلمية.
2- الدكتور إبراهيم أبو النجا الجزار (1915م : 1972م): أستاذ الباثولوجي بجامعة القاهرة ثم عميدًا لكلية طب المنصورة ثم رئيسًا لجامعة المنصورة.
3- الدكتور حسان حتحوت (1924م : 2009م): أستاذ علم الأجنة والنساء والتوليد، شارك في تأسيس كلية الطب في دولة الكويت ورئاسة قسم أمراض النساء والتوليد بها.
4- الدكتور توفيق الشاوي (1918م : 2009م): حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة بتفوق وكان ترتيبه الثاني، حصل على الدكتوراه من جامعة باريس، وعمل مدرسًا بجامعة القاهرة، وأستاذًا بجامعة الملك محمد الخامس، ثم مستشارًا بالمجلس الأعلى لمحكمة النقض المغربية، ثم مستشارًا قانونيًّا للبرلمان المغربي، وعمل مديرًا للمؤتمر الإقليمي لمكافحة الجريمة لدول الشرق الأوسط، و مستشارًا قانونيًا لوفد الجامعة العربية لدى هيئة الأمم المتحدة، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وعضوًا بالمجلس الأعلى لجامعة الرياض.
وعمل الدكتور توفيق الشاوي على ترسيخ الفكر الإسلامي في المؤسسات الاقتصادية؛ فبتكليفٍ من الملك فيصل -عليه رحمة الله- شارك في إعداد اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية، ثم شارك في تأسيس بنك فيصل الإسلامي بالخرطوم، ثم القاهرة، وبقي عضوًا بمجلس إدارة هذا البنك عشر سنوات.
كما اهتم بالتربية والتعليم؛ فأنشأ مدارس المنارات وإدارتها، ابتداءً من عام 1971م، وأنشأ الاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية الذي أنشئ تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامي وحكومة المملكة العربية السعودية عام 1976م، وأصبح عضوًا مؤسسًا بالاتحاد العالمي للمدارس العربية والإسلامية الدولية، وهو الاتحاد الذي يتمتع بصفة عضو مراقب بمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية.
5- الأستاذ عبد القادر عودة (1906م : 1954م): القاضي والفقيه دستوري، والمحامي البارع، عضو لجنة وضع الدستور المصري، انتدبته الحكومة اللبية لوضع الدستور الليبي. مؤلف كتاب (التشريع الجنائي في الإسلام) الذي يعتبر مرجعًا في مجاله.
6- الدكتور يوسف القرضاوي (9-9-1926م): أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، أسس وترأس عمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وكما عمل مديرًا لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر، والرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين، ورئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر، وعضو مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة الكرمة، وعضو الأمناء لمنظمة الدعوة الإسلامية في إفريقيا، وعضو مجلس الأمناء لمركز الدراسات الإسلامية في أكسفورد.
7- الشيخ أحمد إسماعيل ياسين ( 28-06-1936م : 22-03-2004م): من أعلام الدعوة الإسلامية في فلسطين، أصابه حادث في شبابه أثناء ممارسته للرياضة نتج عنه شلل تام لجميع أطرافه. عمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية ثم عمل خطيبًا ومدرسًا في مساجد غزة. وهو المؤسس والرئيس لأكبر جامعة إسلامية في غزة، ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس وزعيمها حتى وفاته. استشهد في هجوم صاروخي شنته الطائرات الإسرائيلية.
هؤلاء -وأمثالهم كثير- تخرجوا من مدرسة الإخوان المسلمين وأصبحوا رموزا للمجتمع الإسلامي، بل وعلى المستوى العالمي يُقتدي بهم ويُؤثرون فيه فكرًا وسلوكًا.
هذه أمثلة للتربية المباشرة وغير المباشرة التي قدمتها جماعة الإخوان للمجتمعات، وليس هنا مجال لإحصاء كافة الخبرات التي تم غرسها في المجتمعات؛ فهذا يحتاج إلى جهد الباحثين، ولكن هذه نماذج لما يجب أن تكون عليه تربية المجتمعات كما قامت به جماعة الإخوان المسلمين.
ملحوظة هامة
في رسالة (قضايا أساسية على طريق الدعوة) يقول الأستاذ مصطفى مشهور عليه رحمة الله تعالى:
«هناك من يظن خطأ أن المقصود بالمجتمع المسلم أن يتحول كل أفراد المجتمع إلى تلك النوعية من الفرد المسلم أو الأخ العامل النموذج فهذا أمر يستحيل وليس بالضرورة أن يتحقق، ولكن المقصود بالمجتمع المسلم؛ بعد توفر العدد المناسب من الأفراد المسلمين القدوة والبيوت المسلمة القدوة؛ أن يكون باقي المجتمع مسلمين صالحين متجاوبين مع الحركة الإسلامية وأهدافها متقبلين لحكم شرع الله وليس بالضرورة أن يكونوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين».
المراجع:
1- ويكيبديا الموسوعة الحرة.
2- ويكيبديا الإخوان المسلمين.
3- رسائل الأستاذ حسن البنا.
4- رسالة قضايا أساسية على طريق الدعوة.
5- رسالة إرشاد المجتمع.
6- المدخل إلى التربية من المعرفة إلى السلوك.
.