Business

حكمة اغتنام الفرص الرمضانية

شهر رمضان من مواسم الجود الإلهي الذي يعم نفعه، ويجل في النفوس وقعه، وأيامه تمر سراعًا، فالوقت فيه هو العملة الرائجة والتجارة الرابحة، وقد أراد الدكتور عماد عيسى أن يحدو السير في هذه الأيام العامرة، للجد في أمر الوقت والصحبة قبل أن يقال للمرء: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} (الحج: 13).

وذلك بجمع الهم على كثرة التعبد وإتقانه، فنختم القرآن كثيرًا مع التدبر، ونصلى كثيرًا مع الإطالة، ونكثر الذكر والاستغفار واللهج بالدعاء وصنوف التعبد والأوراد، وفي الله تعالى ثقتنا أن نحقق من ذلك شيئًا ورجاؤنا أن يقبل من عملنا: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: 27).

 

حال السلف في اغتنام الأوقات

قال موسى بن إسماعيل التبوذكي: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا؛ لصدقت، كان مشغولًا، إما أن يحدث، أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا، ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا. قلت- الذهبي-: كانت أوقاته معمورة بالتعبد والأوراد.

وقال السري السقطي: فاتني جزء من وردي، فلا يمكنني قضاؤه- يعني: لاستغراق أوقاته.

وقال ابن عساكر: حدثت عنه- أي سليم بن أيوب الرازي-: أنه كان يحاسب نفسه في الأنفاس، لا يدع وقتًا يمضي بغير فائدة، إما ينسخ، أو يدرس، أو يقرأ، وحدثت عنه: أنه كان يحرك شفتيه إلى أن يقط القلم.

وهذا أبو موسى المديني وكان إمامًا في فنون، يقول: «ما أعلم أني ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب».

وقال الأوزاعي: «ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يومًا فيومًا وساعة فساعة، ولا تمر به ساعة لم يذكر الله تعالى فيها إلا تقطعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مع ساعة، ويوم مع يوم، وليلة مع ليلة».

 

قيمة الوقت عند المسلم

قال ابن القيم: «عمر العبد هو مدة حياته، ولا حياة لمن أعرض عن الله واشتغل بغيره، بل حياة البهائم خير من حياته، فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلبه إلا بمعرفة فاطره، ومحبته، وعبادته وحده، والإنابة إليه، والطمأنينة بذكره، والأنس بقربه، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كله، ولو تعوض عنها بما تعوض مما في الدنيا، بل ليست الدنيا بأجمعها عوضًا عن هذه الحياة، فمن كل شئ يفوت العبد عوض، وإذا فاته الله لم يعوض عنه شيء البتة».

 

علاج مضيعة الأوقات

ضياع الوقت داء عضال، يحتاج إلى مصابرة ورباط للشفاء منه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).

أمر الله تعالى في الآية بالصبر والمرابطة، فالصبر لمقاومة المرض ومجاهدة النفس والرباط للثبات على ذلك العمل حتى يتم البرء ويصبح الشفاء ميسورًا لا معسورًا، ومن علاج ذلك:

  • أن يمنع اللسان لئلا يوقع بالناس أفاعيل الانتقام وضرائر الإفك وأخواتها من البهتان والآثام، وأن يضرب من هؤلاء كل بنان: {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}، قال النبي ﷺ: «من صمت نجا»، وقال: «أمسك عليك لسانك».
  • ترك المعاصي ما أمكن والتوبة مما لا بد منه.

 

العناية بخواتيم العمر والعمل

قال ابن القيم: «العمر بآخره والعمل بخاتمته؛ من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته؛ ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعًا؛ ومن أساء في آخر عمره لقى ربه في ذلك الوجه».

إدراك قصر أعمارنا، وكثرة وتزاحم أعمالنا، ومن علم ذلك كيف يستحل أن يضيع وقته سدى وأن يهدره عبثا؟

قال ابن القيم: «مدة العمر التي هي بالإضافة إلى الآخرة كنفس واحد من أنفاسها».

ومن أدرك قصر عمره؛ اجتهد في عمل الآخرة، وسعى لها سعيها وجعل للدنيا فضل وقته.

قال عون بن عبد الله: «إن من كان قبلنا كانوا يجعلون لدنياهم ما فضل عن آخرتهم، وإنكم اليوم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم».

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم