أثر تربية الإخوان في الشباب

 

انتسب إلى هذه الدعوة نصف مليون من الشباب والرجال! فهل اكتفت قيادة الجماعة بانتسابهم وتباهت بكثرتهم؟ هل اكتفت بتجميعهم والتظاهر بهم؟ هل اكتفت باستنفاد طاقاتهم في أعمالها السياسية والحركية؟ أم ماذا كان دورها مع هذه الجموع التي أسلمت لها قيادها؟

لقد كان للإخوان منهج شامل ومتكامل للتربية يشمل الجسد والعقل والروح باعتبارها دعوة جامعة تشمل (العلم والتربية والجهاد) حيث انخرط فيها الشباب والرجال وطبقوا المنهج التربوي فكانوا هم من ثماره.

يقول الدكتور أحمد شلبي صاحب موسوعة التاريخ الإسلامي فيُدلي بشهادة مؤرخ متخصص وفي نفس الوقت مراقب للأحداث ومعايش للمجتمع فيقول: «إن هذه الجماعة لعبت دورًا إسلاميًّا رائعًا في حياة الصبيان والشباب والرجال، وغرست أخلاق الإسلام في الملايين، وجعلت الانتساب للإسلام مفخرةً يعتز بها الكثيرون، ودفعت إلى المكاتب والمصانع والوظائف جماعاتٍ تعرف اللهَ وتخافه، وبالتالي تنتج بجد، وتعمل دون رقيب من الناس ولا تمتد لها الشبهات ولا يمسها الانحراف، وكانت كلمة (من الإخوان المسلمين) طابعًا للتنزه عن الصغائر، والبُعد عن الرشوة وعن الإهمال، والحرص على أداء الواجب، وحيثما رأيت الآن رجلاً يبرز به هذا الطابع فاعرف أنه غالبًا كان منتسبًا إلى جماعة الإخوان المسلمين" (موسوعة التاريخ الإسلامي: مكتبة النهضة المصرية , 1999م، جـ 9).

لم تقتصر هذه الحركة الدعوية على الأستاذ البنا وحده، وإنما أعدَّ شبابَ دعوته ورجالَها ليكونوا دعاةً مجاهدين، يجوبون أنحاء مصر نشرًا للدعوة وتبشيرًا بالفكرة:

يقول جيمس هيوارث دين في كتابه: (التيارات الدينية والسياسية في مصر): «كان حسن البنا يتخيَّر طلبة العلوم الدينية الذين درسوا دراسةً جادَّةً القرآنَ الكريمَ واللغةَ العربيةَ والخَطابةَ وأصولَ الفقه، والذين لم تدنس عقولَهم المفاهيمَ الغربيةَ وطريقةَ الغرب في التفكير، وكان معظم هؤلاء من صغار السنِّ الذين يمتلئون حماسة القيام بأي أعمال خارقة تتطلب التضحية والجرأة، وكان ميدان عملهم المساجد؛ حيث يواظبون على الصلاة فيها في كل الأوقات وخاصةً يوم الجمعة، فإذا فرغ الناس من الصلاة توزَّع هؤلاء الدعاة الشباب بينهم؛ ليعقدوا لهم حلقاتٍ متفرقةً يحدثونهم عن الإسلام ثم عن دعوة الإخوان المسلمين وأهدافها الدينية والسياسية، وأحيانًا يتحدثون لهم عن قضية سياسية تشغل الناس أو عن بعض الرذائل التي تنتشر بين الناس، كالمخدرات والخمور والدعارة، ويحثُّونهم على التصدي لهذه الرذائل من خلال الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين» (الإخوان المسلمون في كتابات الغربيين- زياد أبو غنيمة- ص 12).

ويضيف قائلاً:

«وكان حسن البنا ذكيًّا في اختيار بعض المناسبات الدينية أو الوطنية ليوجِّه هؤلاء الدعاة الشباب لاستقطاب الجماهير وعندما تنشب أزمات وطنية، وكان يوجِّههم لاستغلال مواهبهم الخطابية والدعائية لإثارة المصلين ضد بريطانيا وعملائها في مصر، أو ضد اليهود في فلسطين وفي مصر، وكان البنا يجنِّد هؤلاء الدعاة الشباب ليجوبوا أرجاءَ مصر في الحَرِّ اللاهب ليجمعوا التبرعات للفدائيين في فلسطين، بعد أن يخطبوا في المصلين خطبًا ناريةً ضد الإنجليز واليهود» (الإخوان المسلمون في كتابات الغربيين- زياد أبو غنيمة- ص 13).

وعن أخلاق شباب الإخوان وسلوكهم يحدثك أساتذتهم بالمدارس والجامعات، فيقول د. أحمد الحوفي الأستاذ بكلية دار العلوم: «درَّست بالمدرسة السعيدية ست سنوات وبكلية دار العلوم خمسًا، شهدت فيهن عن كثب وتجربة ويقين عِظَم أثر الشهيد في مريديه من الطلاب.. جرأة في الحق، واستقامة في الخلق، واعتزاز بالدين، وجدّ في الدرس، ورجولةٌ مبكرة، وثقافة إسلامية متنورة، ومقدرة بيانية واعية».

ويوافقه د. عثمان خليل عميد كلية الحقوق بجامعة عين شمس فيقول: «وقد كان مريدوه من طلبتي خير عنوان لرسالته، فقد ازدادت معرفتي به في أشخاصهم، وازددت تقديرًا لجهاده بما خلفته تعاليمه فيهم من قوة الإيمان وكمال الرجولة وقويم الخلق».

وهذه بعض النماذج العملية من حركة شباب الإخوان كما يقول عبدالحليم الكناني:

بعثة الصيف للإخوان المسلمين إلى الأحبة في الريف الجميل (1936): «رأى المكتب العام للإخوان المسلمين في هذا العام أن يختار وفدًا من رجال الجامعتين الأزهرية والمصرية ليقتسم بلدان القطر ويطوف فيها ويقوم بواجب الدعوة إلى الله ونشر الخير والتهذيب بين المواطنين الكرام من إخواننا المحبوبين، فتكوَّنت لذلك لجانٌ عشرٌ ستزاول مهمتها على التقسيم الوارد بعد هذا إن شاء الله.. رجاؤنا إلى حضرات الإخوان ونقبائهم أن يسهِّلوا لإخوانهم مهمتَهم، وأن يُعينوهم في غايتهم التي هي غاية الجميع، وأن يمدوهم بالإرشادات اللازمة التي تساعدهم على نجاح الغرض الذي هاجروا من أجله، وهي هجرة في الله نرجو أن تكون لهم أجرًا وللدعوة نشرًا وللبلد خيرًا إن شاء الله» (جريدة الإخوان- س 4- عدد 10- 26 ربيع أول 1355- 16/6/1936).

 

(التربية) تلة الرماة التي تحمي الصف

يقول عايد هديب: تلة الرماة مدرسة تربوية بحاجة اليوم إلى الاستفادة منها وإعادة إحيائها، وقراءتها قراءة متمعنة في محاولة للاستفادة منها واستلهام الدروس والعبر، كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات واقعنا وزماننا.

فإذا ما نظرنا إلى تلة الرماة، سنجد المكانة التي حظيت بها من اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والموقع الاستراتيجي، والتخصصية والكفاءة، وغيرها من الإشارات التي سنسقطها على عملنا التربوي لنجد بأن:

- لم تكن تلة الرماة خطة مرحلية جزئية في الغزوة، وكذلك العمل التربوي فهو ليس مجرد مرحلة لها شروطها ومعطياتها وحسب بل هي عملية مستمرة على طول المعركة الممتدة، تعطي من حولها الدروس المستمرة بالمحافظة على الإيمان، والاستمرار فيه وعدم الغفلة عنه بل وتغذيته وتقويته وتمتينه، فالتربية لا تنقطع ولا ينصرف الناس عنها إلى أمر آخر ولا تتوقف عند فترة معينة.

- موقع تلة الرماة هو ذاك الموقع الخلفي الذي يحمي ظهور المسلمين، المكان المرتفع المطل الذي يرى كامل المشهد، وهذا حال العمل التربوي الذي نحتاج إذ هو صاحب المكانة والموقع الاستراتيجي الذي لا يستغنى عنه في أي لحظة أو مرحلة، وهو صاحب الدور الحيوي الذي يحمي ظهور المسلمين وشبابهم من أن يكونوا لقمة سائغة وهدف سهل للعدو الذي يتربص بالأمة أن تغفل عن نفسها لينقض عليها.

- ومرة أخرى الموقع، إذ التربية هي الحضور الدائم والمعايشة المستمرة، فهي تراقب وتعايش، فبذلك تتعرف على نقاط القوة والضعف والقلة والكثرة والقصور في مسار التربية واحتياجات الأمة والمتربين في وقت واحد، ومن خلال ذلك تستطيع الأمة أن تصوغ رؤيتها التربوية وتضع لذلك برنامجًا واضح المعالم والأهداف، بحيث تحدد الجوانب التي ينبغي التركيز عليها، أو تأجيلها، أو التي تحتاج إلى العمل والتطوير.

- ونجد على التلة المتخصصين الذين اختارهم رسول الله وانتقى من الصحابة لأجل هذه المهمة، وهكذا التربية ينبغي أن يُنتَقى من يمارسها ويؤمن بها انتقاءً خاصًّا، بحيث يكون مؤهَّلاً مدرباً مستعداً الاستعداد النفسي والمعرفي والأخلاقي، ومتمكِّناً من المهارات الدعوية والتربوية لحمل هذه الأمانة وتبعات هذه المسؤولية.

 

فلا بد من الالتفات الجاد للحفاظ على العمل التربوي وعلو تلة المربين، والعمل على إصلاحات العيوب وسد الثغرات الموجودة في العمل التربوي وخصوصاً داخل أروقة الحركة الإسلامية ومحاضنها التربوية في شتى الساحات، فالشباب اليوم –في بعض البلدان- يعانون من خلل كبير، وضعفٍ واضح، وتقاعس ملحوظ، لا تخفى على المتابعين والمراقبين.

العمل التربوي بطيء الثمرة فلن نجني الثمار سريعًا، وعلينا ألا نغادر تلك التلة لجمع النتائج حتى نتأكد من إحكام الأمور والسيطرة عليها. صحيح أنها قد تبدو مهمة صعبة وطريقًا طويلًا، ولكنها معركتنا وانطلاقتنا؛ فجزء من معركة الحركة الإسلامية اليوم هي معركة تربوية لا بد من أن تكرّس الجهود لتظفر بها وتؤول النتيجة لصالحها.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم