Business

التعليم المنزلي وسبل نجاحه

كشفت العزلة التي فرضها فيروس كورونا على العالم كثير من الثغرات في النظم التي فرضتها سياسات الدول لحماية شعوبها وتوفير سبل الأمان لهم، حتى أنها أوقفت كل السبل التعليمية لملايين الطلاب مما جعل السؤال الملح هل يحل التعليم المنزلي محل التعليم التقليدي؟ وهل يكون ذو جدوى فعالة؟

فالتعليم المنزلي تعليم غير نظامي خارج المدرسة مقره المنزل، وهو على عكس التعليم التقليدي في المدارس العامة، سواءً أكانت مدارس حكومية أم أهلية.

ابتكرت هذه الوسيلة في بداية سبعينيات القرن الماضي لتعليم الطلاب في المنازل بحيث يدرسون تحت إشراف الوالدين بشكل فردي أو جماعي في المنزل.

العجيب أن هذه الطريقة أتت بثمار كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يدرس حاليا بهذه الطريقة –وفق التقارير– ما يقرب من مليوني طالب.

المثيرة للاهتمام هنا، هي أن الإنجاز العلمي لهؤلاء الطلاب بشكل متوسط ​​كان أعلى من الطلاب الذين يدرسون في المدارس العامة ولهذا فإن معظم الآباء لا يرغبون في إرسال أبنائهم إلى مدرسة عامة أو أهلية وإنما يحبذون تدريس أبنائهم في المنزل وذلك لأنهم يرون بأن هذه الطريقة أفضل بكثير من الذهاب إلى المدرسة.

وفي مصر لجأت بعض الأسر لهذه الطريقة بسبب ارتفاع مصروفات التعليم غير الحكومي لما قد يصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات للطالب الواحد، خاصة إن كنت تبحث عن العلوم واللغات إلى جانب الترفيه، بالإضافة إلى عدم صلاحية التعليم الحكومي من وجهة نظرهم حتى لتلبية احتياجات سوق العمل في المستقبل غير أنهم يصطدمون مع البيروقراطية التي تعيشها الدول بعدم اعتماد مثل هذا التعليم.

وفي غير مصر من الدول التي لجأت لهذه الطريقة تعود الأسباب إلى عدم رضا الوالدين من عدم وجود خيارات تعليمية مختلفة، أو وجود تفرقة وتمييز عنصري ديني، أو ظهور العديد من الفلسفات التعليمية، أو عدم قدرة البنية التعليمية التقليدية على تطوير الأطفال وتنمية مهاراتهم في المدارس.

ويضع هالت برايز مؤلف كتاب [قم بتدريس جميع الأشياء التي تمتلكها] سبل نجاح التعليم المنزلي بقوله: إن أهم شيء يجب أن يعرفه الآباء حول هذه الطريقة هو «أنه يجب عليهم حب أطفالهم، والاستمتاع بتجميعهم وبحضورهم الجسدي، والفكري، والعاطفي ويجب عليهم أن يستمتعوا بمحادثاتهم وأسئلتهم، وأن يبحثوا للعثور على إجابات لهذه الأسئلة».

غير أنه على الرغم من ذلك فإن هذا النظام يسير وفق متطلبات الولاية أو البلد التي يتم فيها بحيث لا يبعد عن الأطر التعليمية والقانونية التي تدرسها هذه الدولة، بل أن المبدع في هذا النظام التعليمي أن بعض الدول – وعلى رأسها أمريكا – ترعى مثل هذا النظام التعليمي وتدعمه لتخريج مبدعين لا يتقيدون بالتعليم الحكومي، لكن هذا يتوقف على قدر الوالدين في توصيل المواد التعليمية إلى أبنائهم الطلاب بما يشبع وينمي نفوسهم وعقولهم بالعلم حتى رأينا بعض النماذج التي تخرجت من خلال هذا العلم تفوقت على سنها حيث درست مواد التعليم الجامعي وهم في سن صغير جدا.

فقد رأينا مثلا الطفل (كارلوس أنطونيو سانتاماريا) ذو الـ 12 عامًا من المكسيك، قد التحق بجامعة المكسيك الوطنية الكيمياء التحليلية والبيولوجيا الجزيئية.

وفي مصر مثلا كان الطفل (عمرو عزت) صاحب الـ 12 عاما والذي خضع لامتحان من 6 أسئلة وأجاب عليها وتم تأهيله لاستكمال دراسته بالفرقة الثالثة بكلية العلوم جامعة القاهرة.

وفي أمريكا تمكن الطفل (ويليام ماليس) صاحب الـ11 عاما من الالتحاق بكلية المجتمع في مقاطعة اليغيني بولاية بنسلفانيا والذي يسعى للحصول على الدكتوراه في الفيزياء والكيمياء من الجامعة، وغيرهم مثل (لوران سايمنس) البلجيكي الذي أنهي دراسته الجامعية بكلية الهندسة بعمر 9 سنوات ويخطط لابتكار قلب صناعي وغيرهم الكثير الذين هم نتاج التعليم المنزلي.

ولنجاح هذه الطريقة يقع على الوالدين اختيار قائمة من الدروس والمواضيع بناءً على عددٍ من الخيارات كعدد الفلسفات التعليمية، وطريقة التعلم، ومقدار الوقت المخصص للتعلم وما شابه ذلك، بالإضافة للجمع بين الأفكار الدراسية بحرية كاملة واختيار أفضل طريقة للتكيف مع هذا الوضع بناءً على احتياجات أطفالهم.

تقول هنادي موسى: «ويوجد تنوع كبير في تطبيق التعليم المنزلي، فيوجد مناهج عديدة يتبعها الآباء ومن أشهرهم منهج المنتسوري، والجانب المشترك بين التعليم المنزلي ونهج المنتسوري التركيز على تعليم الطفل تبعًا لشغفه واهتماماته ويرفض فكرة التنافس بين الأقران وتوفير بيئة مناسبة ومحفزة للطفل تساعده على الإبداع. يهتم المنتسوري بمتابعة الطفل منذ الميلاد حتى الكبر، ويعتمد بشكل أساسي على تنمية عدة مهارات مثل: مهارات عقلية - مهارات حركية - مهارات حياتية - مهارات لغوية - مهارات اجتماعية - مهارات حسية».

ويشدد منهج منتسوري على نجاح هذا النظام من:

  • مراقبة الطفل ومتابعة اهتماماته في كل مرحلة عمرية.
  • احترام عقل الطفل وتشجعيه ودعمه في مراحله الحساسة أو طفراته السلوكية.
  • إعطاء الطفل الحرية لاستكشاف العالم الداخلي والخارجي طالما يتبع تعليمات الأمان.
  • تهيئة بيئة منظمة وجذابة للطفل لتساعده على تحفيز الإبداع لديه.
  • عرض على الطفل العديد من الأنشطة المعتمدة على التفاعل العملي ويستطيع تنفيذها بيده.
  • اختيار أدوات وألعابًا مناسبة لعمر الطفل، من حيث الحجم ومحاكاة الواقع ومتنوعة الخامات.
  • عدم مقاطعة الطفل أثناء عمله حتى تساعده على تطوير قدرته على التركيز.

كما يعتمد التعليم في المنزل على الخروج والسفر والتفاعل مع البيئة والطبيعة، وليس الحبس في المنزل، فمن المكن أن تتم العملية التعليمية على الشاطئ، المكتبة أو وسط الجبال؛ ليشاهد الطفل كل شيء على الطبيعة، وهذه أسرع وسيلة تعليمية بدلًا من الاعتماد على الكلام النظري والصور فقط.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يجدي ويصلح هذه النظام التعليمي في البيئة العربية خاصة أن هذا النظام ليس جديدا بل معمول به في كثير من البلدان الغربية؟

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم