Business

عمر وتفعيل أسس التعاون الإسلامي في الأزمات

كتب عمر (رضي الله عنه) –كما أشرنا– إلى عماله على الأمصار، معاوية بن أبي سفيان وأبو موسى الأشعري، وأبو عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه)، وكان الأخير أسرعهم استجابة لنداء عمر (رضي الله عنه)، وبعث إليه معاوية (رضي الله عنه) ثلاثة آلاف بعير محملة بالدقيق وثلاثة آلاف عباءة، وبعث أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه)، وكان على البصرة بقافلة عظيمة تحمل القمح وسائر الأطعمة.

وكانت الإغاثة تقوم على قدم وساق وبشكل منظم ودقيق فمن كان في المدينة من أهلها والقادمين إليها فإن عمر (رضي الله عنه) كان يأمر عمالاً له متخصصين بالطبخ فيصلحون الطعام ثم يقدمونه للناس وكان عمر (رضي الله عنه) يشرف بنفسه على ذلك كله. وأما من كان خارج المدينة فإنه كان يكلف رجالاً يستقبلون هذه القوافل القادمة من الشام والعراق فيميلون بها يمينًا وشمالاً ويوصلون الطعام إلى الذين يحتاجونه.

ولم يكتف الفاروق بذلك بل نجده ينظر بكل شيء يتعلق بأمر رعيته حتى في تعليم كل بيت كيف ينتفع بالمؤن والأرزاق التي كان يرسلها إليهم مع عماله. فيروى أنه بعث أحد صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أهل البادية ليقسم الطعام بينهم فقال له عمر (رضي الله عنه): «فأمَّا الظروف فاجعلها لحفًا يلبسونها وأمَّا الإبل فانحرها لهم يأكلون من لحومها ويحملون من وَدَكها ولا تنتظر أن يقولوا ننتظر بها الحيا، وأما الدقيق فيصطنعون منه ما يريدون حتى يأتي أمر الله لهم بالفرج».

وكان استخدام النقل البحري في إيصال الغوث والمدد من مصر إلى المدينة ومن حولها رغبةً من الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في إيصال المؤن بأقرب وأسهل الطرق وأيسرها، فمنطقة تهامة مثلاً الواقعة جنوب المدينة – مركز الخلافة – هي أقرب إلى ساحل البحر الذي سترسو فيه السفن القادمة من مصر بينما هي بعيدة كل البعد عن الإمدادات القادمة بالطريق البري، يضاف إلى ذلك أن النقل البحري يكون دائمًا أوفر وأيسر وأقل تكلفة من النقل البري؛ الأمر الذي سيجعل المواد الغذائية وغيرها رخيصة ومتوفرة على الدوام.

ولإنجاح العمل في هذا الجانب أقدم عمر (رضي الله عنه) على القيام بمشروع عملاق يجعلنا نتصور أمامنا الفاروق كأنه عالم جغرافي لديه اطلاع بخارطة مصر، خبير بمقاييس رسم المسافات، وله دراية بإنتاج المحاصيل الزراعية، أين تكثر وطرق نقلها وتصريفها، ولذلك كله أقدم على ذلك المشروع وهو فتح (خليج أمير المؤمنين).

فأصبحت الأسعار في المدينة كأسعار مصر ولم يزد ذلك مصر إلا رخاءً اقتصاديًا ولم يَرَ أهل المدينة بعد الرمادة مثلها. وبهذه الصورة استطاع عمر (رضي الله عنه) أن يتغلب على مشكلة نقص الغذاء والمؤن التي مرت على المدينة نتيجة لتزايد الوافدين إليها، مما سهل الأمر أمام الفاروق (رضي الله عنه).

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم