بيوتنا على ضوء القرآن والسنة

كتب الله عز وجل أن يكون الزواج هو الإطار الشرعي لبناء بيوت يقام فيها شرع الله وتؤتى فيه مقاصده وتؤدى فيه فرائضه، ومنه يخرج الأبناء الصالحون المصلحون يقوون نسيج المجتمع ويبنون لبناته ويعلون بناءه ويرفعون لواء دعوة الإسلام لتبليغها للعالمين، قولا وفعلا.

ولأن القرآن شرعة الله الخالدة الذي نستقي منه أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي الهادية والقدوة، فإنهما الميزان الذي نحتكم إليه في تقييم حال بيوتنا: هل هي حقا كما يحب الله ورسوله؟

سلسلة مقالاتنا المتوالية بإذن الله في محاولة لتسليط الضوء على بيوتنا وأسرنا:

فكيف حال بيوتنا من الداخل؟

كما نعلم فإن المجتمع هو المرآة العاكسة لصورة البيوت:

  • إن كانت سوية مستقيمة فلقوة في أساس بني على تقوى من الله.
  • وإن كانت مشوهة مهتزة فلخلل في التركيب والخامات والبناء.

كيف حال بيوتنا خلف الجدران وتحت الأسف ووراء الأبواب؟

ما هي القيم التي تحكم أفراد الأسرة الواحدة؟

وما الذي يجمع الأسرة ويشغل اهتماماتها؟

 وقبل الإجابة، دعوة للسياحة عبر نموذج آل إبراهيم نستلهم منه بعض الإضاءات:

  • آل إبراهيم: أسوة للعالمين

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 33)

  • يا ترى ما الذي ميز هذا البيت حتى يستحق هذه الرفعة وهذا التكريم من رب العالمين؟

لم يذكر شكل البيت الذي كان يقطنه آل إبراهيم ولا الحي الذي بني فيه البيت ولا نوع الأثاث وقطعه وماركاته التي تزينه، إنما ذكرت أوصاف أهل البيت الذين عمروه فكان سبب التكريم والتشريف.

  • الإيمان والإحسان والرشد: من أسباب الاصطفاء

{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ إِبۡرَٰهِيمَ رُشۡدَهُۥ مِن قَبۡلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَٰلِمِينَ} (الأنبياء: 51).

 خصلة أساسية لرب البيت حتى يكون أهلا لكل خير أن يكون صاحب رشد وحكمة واتزان عقلي يستطيع أن يميز الحق من الباطل ويفرق بين الهدى والضلال.

رشد أهله لكيلا يكون إمعة يقتفي من غير تمييز ويسير من غير عقل ويتبع على غير هدى:

{سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ 109)) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِين (11) (سورة الصافات)

 من شروط رب البيت الناجح: الربانية بجناحيها الإيمان والإحسان: إيمان يعصمه من عبادة غير الله، والثبات على الدين رغم الفتن؛ وإحسان يشعره برقابة الله فلا يزيغ ولا يميل ولا يظلم ولا ينصاع مع هواه.

 لم يكن إبراهيم صاحب رؤية يكتفي بها وحسب، بل كان صاحب إرادة وصاحب موقف ومواجهة: واجه أباه وواجه أعيان مجتمعه وتصدى يدافع عن الحق الذي اتضح له جليا.

 فلا يكون رب البيت ناجحا من ليس له إيمان يرفع مراتبه، ولا إحسان يزكي أعماله، ولا رشد يعينه على تحمل المسؤوليات والثبات عند الملمات والأزمات.

  • المشاركة في التكاليف

{ .....وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكّع السُّجُودِ} (البقرة: 125).
فلا يكفي أن تكون ملتزما أيها الأب في دينك، إنما أنت مطالب أن تأخذ بيد أبنائك وأهلك إلى طريق البر، فالمشاركة في أداء الواجبات البيتية تدريب للأبناء على المسؤولية مستقبلا.

  • بناء البيت على البر والتقوى

﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾. (البقرة 127).
قيمة التعاون على البر والتقوى قيمة تتوارثها الأجيال ابنا عن أب مباشرة وبصورة عملية بعد أن تتربى عليها وتوضع موضع الرؤية والمشاركة والتطبيق، فسيدنا إبراهيم تشارك مع ابنه إسماعيل في مهمة بناء بيت الله، وهو يتحرك برفع اللبنات يرسي لبنات في تربية شخصية ابنه ويربط حركاته وسكناته بالله ويعلمه الإخلاص وكيف يحرر نيته لله

  • الابن على خطى أبيه يسير...

{فبشرناه بغلام حليم} تزكية من رب العالمين

{يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين} (الصافات: 102)

لما تكون القدوة الحسنة ماثلة أمام الابن، فإن أسباب العقوق تتضاءل ولن يجد الشيطان سبيلا كي يتغللغل في النفس ويوسوس، ولن تكون الثمرة إلا طيبة: طاعة مبهجة لحد التضحية بالنفس.. وكما تزرع أيها الأب؛ ستحصد.

فارع بذورك واعتن بها؛ تجنِ جميلا وتحصد من الحسنات وفيرا.

  • وزوجة تطرق أبواب السماء وترعى الأمانة:

الزوجة الصالحة الوفية الواثقة في أن الله لن يضيعها وتسعى وتجتهد فيرزقها الله من أوسع الأبواب: منبع رقراق يروي من عطش ويحيي من موات، فتستأنس بعد وحشة وتعمر الأرض بعد قفر وقحط وتعد الابن ليكون سندا لأبيه.. فيرفع الله شأنها بأن فرض مسعاها فكانت خطواتها ركنا في الحج تمشي على سيرها أفواج الحجيج عبر السنين.

تلكم هي بعض من مواصفات آل إبراهيم، فلا عجب إذن أن يكون من المصطفين الأخيار، ولمثل هذا النموذج فليسع الأخيار لبناء بيوتهم، وإنها لمعادلة صحيحة لا تخطئ أبدا.

لكل من يسعى لبناء بيت: كن إبراهيم في إيمانه وإحسانه ورشده = تُرزق بزوجة كهاجر في التضحية والطاعة + وبأولاد كإسماعيل في البر والتقوى.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم