قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر] (أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير). وقال عليه الصلاة والسلام: [المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه]. ويقول صلى الله عليه وسلم: [من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته] ويقول صلى الله عليه وسلم: [والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه].
قواعد نبوية وضعت لرسم طريق بناء المجتمعات على روح التكافل والتعاون والتراحم فيما بينهم.
ومنذ تأسيس المجتمع المسلم بعد الهجرة النبوية الشريفة كان التكافل الاجتماعي والتشارك في كل شيء هو أساس بناء المجتمع وظهر ذلك جليًا في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، واقتسام أموالهم وممتلكاتهم، وتوحدهم ضمن بوتقة المجتمع الإسلامي.
والمعاني التي يحملها التكافل بين أفراد المجتمع يقصد بها اجتماع أفراد المجتمع على المصالح المشتركة فيما بينهم، وأن يكونوا يدًا واحدة ضد المعوقات الفردية والجماعية التي تواجههم، ويتّحدوا على دفع الضرر والمفسدة عن جميع أفراده، والوقوف على كل ما يواجه أفراد المجتمع الواحد، من مساعدة للمحتاج وإغاثة للملهوف وحماية للضعيف، وتكريم من يستحق التقدير، والنظر إلى كل من لديه حاجة خاصة، والوقوف إلى جانب بعضهم في دفع المظالم وتسوية الخلافات وتقريب وجهات النظر بين أفراد المجتمع الواحد.
غير أن هذه الصفة – وفي ظل التباغض الذي استشرى بين المجتمعات، والصراع بين الدول، والعنصرية التي تجلت في أبغض صورها بين الناس – جعلتها كعملة نادرة قل أن نجدها في واقعنا، ولم نجد إلا المصالح الفردية التي تنكسر على صخرتها جميع المصالح والتكافل الاجتماعي، حتى وجدنا الضعيف لا يجد من ينصره، ولا الفقير يجد من يطعمه، ولا الغريب يجد من يكرمه.
في ظل المحنة
لكن بريق الأمل الذي تجلى في شهامة ونصرة كثير من أفراد المجتمع المصري حينما اجتاحت البلاد نوة التنين المدمر والتي لم تمر بها البلاد من سنوات طويلة أظهرت معاني التكافل بين الجميع.
فحينما أعلنت وزارة النقل وقف جميع الرحلات وعلق مئات من الركاب في قطار الصعيد هرول أهالي بني سويف ففتحوا لهم بيوتهم لإضافتهم، بل وفتحوا المساجد والكنائس لإيوائهم، وسارعت النساء بصنع الطعام وتقديمه لمن انقطع به السبيل.
وكم رأينا شبابًا سارع بسيارته لإغاثة الملهوف وأعلنوا عبر صفحاتهم عن تواجدهم لإغاثة أي ملهوف، بل وكتبوا أرقام هواتفهم، ورأينا الكثير منهم يسارع من انقطع به السبيل وحالت السيول والأمطار بينه وبين بلوغ وجهته.
بل رأينا شبابًا ظل طوال النهار واقفًا في شارع يغمره الماء ليساعد كل من يحتاج للعبور، بل رأينا من ضحى بنفسه في سبيل إنقاذ العشرات من السيول مثلما حدث في نويبع والتي جادت بالشاب أحمد شعبان والتي جرفته السيول بعدنا أنقذ ما يزيد عن 22 فرد.
إن هذه الروح التي تجلت في الآلاف من جميع المحافظات ممن أعلن أن بيته مفتوح لكل ملهوف هي الروح التي أكدها الإسلام، ووضع أطرها منذ أن جاء به النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وهي الروح التي يجب أن نربي أنفسنا وأولادنا عليها حتى تحيا الشعوب في لحمة وقوة واحدة.
نتائج التكافل
من أهم آثار التكافل الاجتماعي: أنها تصون نفس الفرد وتجعله يشعر بالراحة والطمأنينة والحب.
- زيادة ثقة الفرد بنفسه لأنه يجد التقدير والدعم من الآخرين، والذي يدفعه بدوره إلى التقدير الذاتي.
- ينعكس ذلك على أفراد المجتمع الواحد، فيصبح المجتمع أكثر لُحْمةً وتماسكًا واستقرارًا وله قدرة أكبر على مواجهة كل ما يعترض طريقه.
- يسهم في زوال الضرر وسد حاجات المجتمع وزيادة أواصر الألفة والوفاق فيما بين أفراده.
- يزيد التميز والعطاء، وينعكس على زيادة الإنتاجية الفردية والجماعية.
- يعزز المواهب وينميها في المجتمع ويفجر الطاقات في أوجهها السليمة.
- قوة المجتمع واستحالة تفككه وانهياره، حيث يحس الإنسان بأخيه الإنسان.
- انعدام العوز والحاجة والفقر، فالغني يعطي الفقير وتقضى الحوائج دون الشعور بالذل والإهانة.
- توطيد المحبة والمشاعر الجميلة في النفوس.
صور التكافل
للتكافل صور متعددة وأبواب خير متنوعة لا تقف على مجال واحد ومنها:
- المادي، كمساعدة المحتاج وقضاء الدين وكفالة من لا معيل له، والوقوف بجوار من تعرض لمصاب مادي كحريق، وتقديم كسوة العيد للمحتاجين، وقضاء الديون عن الناس المحتاجين دون علمهم أو ما شابه.
- المعنوي، من خلال تحفيز أفراد المجتمع لبعضهم، وتطوير بعضهم بعضًا، والإفادة من خبرات بعضهم لخدمة الأفراد الآخرين.
إن ديننا الإسلامي الحنيف حث على التكافل الاجتماعي وفرض الزكاة وأمر بالصدقات وكفالة الأيتام ومساعدة الفقراء وحسن جوار الجيران والتراحم وهي من أسس استقرار وتطور المجتمعات واستقرارها؛ لأن أهم عناصر الدول هي مجتمعها، ولذا يجب على الآباء والأمهات أن يحرصوا على غرس هذه الروح في نفوسهم ونفوس أبنائهم لأنهم سيحتاجون لروح التكافل في وقت لا يستطيعون فيه فعل شيء.
.