الدعوة الفردية هي أصل التربية، والتي– لو أحسنّا استخدامها- فإننا سوف نستطيع صياغة شخصية دعوية شاملة، تأخذ الإسلام بشموله، وتكون خير نموذج للدعوة إلى الله بقولها وسلوكها وسيرتها. ومعرض حديثنا اليوم ليس نقدًا للدعوة الفردية وتطبيقها- تطبيقًا صحيحًا- وإنما الحديث عن التلفيق للدعوة الفردية، وعدم تحقيق أهدافها، والسير بها كما ينبغي، وعدم تطبيقها تطبيقا صحيحا، مما نتج عن ذلك، دخول الكثير من الشباب في الجماعة، وهم لا يعرفون لماذا دخلوها؟، وعندما حدثت المحنة، تخلوا عنها وخرجوا منها، وهم لا يعرفون، لماذا خرجوا وتركوها؟
فبعض الشباب كنت إذا سألتهم، لماذا دخلتم الجماعة؟ فكانوا يقولون: لا ندري، لقد وجدنا مَن يقول لنا: أنتم الآن، إخوان مسلمون. وإذا كان بعضهم نشيطًا، فقد تراه بعد فترة مسؤولا في قسم التربية، ويكون مسؤولًا عن تربية أجيال، أو يكون مسؤولًا عن قسم من أقسام الطلبة، أو تكون هي مسؤولة عن قسم من الأقسام، وقد يكلف بعضهم بدعوة أفراد جدد عن طريق الدعوة الفردية، فتراه يلفق ولا يطبق، ومن هنا جاءت أجيال من الشباب- وخاصة عقب كل انتخاب، وبعد الثورة- دخلوا الجماعة ووصل بعضهم إلى سدة القيادة، فقادوا قبل أن يكونوا جنودًا، فكانت الكارثة، والأصل أن يكون الأخ جنديًا في كل وقت، وفي كل موقع يكون فيه، فإذا أحسن الجندية، أحسن القيادة، فكل قائد في الحقيقة، هو جندي في نفس الوقت، لأنه جندي لمن فوقه، وقائد لمن تحته.
لقد حدد فقيه الدعوة، الأستاذ/مصطفى مشهور، سبع مراحل للدعوة الفردية. وهي مُرتبة من المرحلة الأولى إلى المرحلة السابعة، وحتى تكون الدعوة ناجحة تؤتي ثمارها المرجوة، فإنه لا بد من ترتيب المراحل، وإلا فأنه سوف تحدث انتكاسة مع المدعو، وبذلك تكون قد ضيعت جهدك ووقتك، وخرجت في النهاية صفر اليدين، بل ربما ينقلب إلى عدو.
من أجل ذلك، فقد حذر الأستاذ/مصطفى مشهور من التعجل مع المدعو، ومن وضع مرحلة مكان أخرى. فقال رحمه الله: «ولعله من المفيد أن ننبه إلى أن التزام الترتيب في المدارج– المراحل- لازم وهام، حتى لا يؤدي عدم الترتيب إلى انتكاسة، أو قعود» ثم بين النوعية، التي ينبغي أن نبدأ بها، فقال: «وسنبدأ الدعوة مع شخص غافلٍ، لاهٍ، ونتدرج به مرحلة، مرحلة من باب توضيح كيفية البدء مع مثل هذا الصنف، وفى الحقيقة هناك أفراد، أفضل حالًا وأقرب استجابة، والأَوْلىَ أن نبدأ به أولًا، اقتصادًا في الوقت والجهد».
ومن خلال هذه الكلمات، فإنني لفت النظر إلى عدة أمور، تجعلنا نطبق مراحل الدعوة الفردية، تطبيقًا صحيحًا، بحيث تؤدي إلى النتائج المأمولة:
أ - أنه لا بد للداعية من البدء بالمرحلة الأولى، وهي (مرحلة التعارف)، مهما كانت ثقافة المدعو، وإقباله على الطاعات، وبعده عن المعاصي، وذلك لأن هدفك من دعوته، لا يتوقف عند التزامه بالطاعات فحسب، بل إنك تهدف إلى أن يكون عضوًا في جماعة، ينبغي أن يكون أمينًا، مضحيًا، كتومًا، مطيعًا، فاهمًا... إلخ. وهذا ما يوجب عليك البدء بالتعارف القوي للمدعو، حتى تستطيع أن تجعله قريبًا منك، لا يستغني عنك، يبث إليك همومه وأحزانه، ويستعين بك على حل مشكلاته الشخصية، ويستشيرك في أخص خصوصياته. يجب أن يصل به التعارف إلى أن يثق فيك. فإذا وصلت إلى هذه المرحلة من التعارف، فإنك سوف تكون مؤثرًا فيه، وسوف تنجح في دعوتك إياه، ويسهل عليك توجيهه في المراحل الأخرى.
ب – يجب أن يكون في حسبان الداعي، أن مدة هذه المرحلة، قد تقصر وقد تطول، حسب نشاط الداعي، ولكن كل شيء بضوابطه. فقد تكون المدة قصيرة، لكونك على معرفة سابقة به، كقرابة، أو صداقة، أو زمالة، أو جوار... إلخ. ففي هذه الحالة، قد لا تحتاج إلى وقت طويل. وقد تطول هذه المدة، فتصل إلى الشهر، أو الشهرين، حسب نشاطك معه. واحذر من الاستعجال في هذه المرحلة، ومن التراخي الممل، الذي يشير إلى أن الداعي، ليس مهتمًا بالمدعو ولم يعطه الوقتَ المناسبَ. فإذا وقع المدعو بين العَجلةِ والتراخي، فإن ما سوف يكون من المراحل اللاحقة، فاشلًا؛ لأنه بنيان أقيم على غير أساس.
جـــــ - إذا أردت أن تؤتي دعوتُكَ الفردية ثمارَهَا، فإنه عليك أن تبدأ بصاحب الأخلاق الأساسية- الكرم، الشجاعة، الإيجابية، روح المساعدة، الجدية- وتبدأ بمن يلتزم بالعبادات وبعض الطاعات، ثم صاحب الأخلاق الأساسية فقط، وهكذا. وتبدأ بالقريب منك سنًا، سكنًا، ثقافة، نفسيًا، ميولاً، هوايات، فالأكثر استقرارًا اجتماعيًا، اقتصاديًا، دراسيًا، ثم صاحب الذهن الخالي من أي أفكار تضاد الفكر الإسلامي الصحيح. وعندما تبدأ يا أخي انتبه لهذه النصائح، وأكثِر ملازمتَه لتتعرَّف على صفاته أكثر، كما عليك أن تنتبِه لسلوكه مع الآخرين، كي تعرف شخصيته وميوله، حتى تعرف ما إذا كان سريع الغضب، أو صبورًا. هل جربت عليه كذبًا؟ هل هو متلهف على لقائك، أم أنه يحاول التفلت منك؟ هل هو شخصية متفائلة، أم متشائمة؟ حاول أن تتعرف على مفاتيح شخصيته، حاول أن تقدم له كافة أشكال العون والمساعدة ما أمكن، وأشعره أنك مهتم به. وعليك أن تكون لقاءاتك معه هادفة.
د – وعلى الداعي في هذه المرحلة، أن يتجنب تكليف المدعو بأي شيء، وأن يتجنب نقده في سلوكياته وتصرفاته، إلا في الكبائر، فإنه يجب عليك نصيحتَه، دون تعنيف. وليكن شعارك في هذه المرحلة: «أِلفْ، ثم كَلفْ» يعني التعريف قبل التكليف «وابْذُر الحُب، تَحْصُد الحَب». فهذا من فقه الدعوة، كما علمنا إياها مشايخنا وأساتذتنا، الذين عاشوا للدعوة وماتوا في سبيلها- رحمهم الله رحمة واسعة-.
فهذه اللفتات في غاية الأهمية، حيث إن الكثير من الذين يعملون في الدعوة الفردية، يقع في هذه الأخطاء، مما يسبب تعثر إضافة أفراد جدد للدعوة، أو إضافة أفرادًا مشوهين فكريًا، وعقائديًا، وفي النهاية، يكونون بحاجة إلى مَن يحملهم، لا أن يحملوا معك هَم الدعوة، وتَحملِ تبعاتها.
هذه إطلالة على مقدمة الدعوة الفردية، والمرحلة الأولى منها، وما نراه نافعًا من هذه اللفتات، لعلنا نصحح المسيرة التي ستظل إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها. وسوف نلتقي بإذن الله تعالى مع المراحل الأخرى، راجيًا الله تعالى، أن يفقهنا في ديننا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
.