عن سمات مرحلة المراهقة يقول د. أحمد المجدوب- عالم الاجتماع المصري الشهير: «الغرق في الخيالات، وقراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، كما يميل إلى أحلام اليقظة، والحب من أول نظرة، كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات، وارتكاب الأخطار، والميل إلى التقليد، كما يكون عرضة للإصابة بأمراض النمو، مثل: فقر الدم، وتقوس الظهر، وقصر النظر».
أما عند الفتاة المراهقة فسماتها: «الاندفاع، ومحاولة إثبات الذات، والخجل من التغيرات التي حدثت في شكلها، وجنوحها لتقليد أمها في سلوكياتها، وتذبذب وتردد عواطفها، فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة، وشعورها بالقلق والرهبة عند حدوث أول دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع أن تناقش ما تحس به من مشكلات مع أفراد الأسرة، كما أنها لا تفهم طبيعة هذه العملية».
وفي هذه الدراسة، يتناول الدكتور خالد سعد النجار مرحلة المراهقة.. تلك المرحلة الحرجة، وفترة المتغيرات التي يثور فيها كل شيء بدواخلنا، هي مرحلة الحياد والغموض والحيرة، فلا هي فترات الطفولة التي نعرفها وعايشناها ردحا من الزمن، ولا هي فترة الرشد التي لا نعرف عنها شيئا، مقدمًا عددًا من النصائح التى تحفظ على المراهق ثباته واستقراره النفسي.
فنون إرشادية
إن التحول الجديد في المراهق يجعله يعي المعاني والقيم ويستطيع تفهمها، وتتجاوز تساؤلاته الإطار المادي القريب إلى الأبعاد الأعمق، المعنوية والنفسية والكونية.. ورغم ما تمنحه خاصية التفكير المجرد والتأمل المعنوي في نفسه ومن حوله والأحداث والكون وغير ذلك، فإن ذلك يثير بعض المشاكل الذهنية والاجتماعية من أهمها، المثالية والحيرة والتردد.
يقول التربويون: «المراهق إنسان يبحث عن النضج، ومهمتنا هي توضيح الطريق والإرشاد، فالمراهق يحتاج إلى إرشادنا ويتمناه، بشرط أن نقدمه له بصداقة».. إن المراهق شخصية تتمحور بدرجة كبيرة حول ذاتها، فهو يهتم بنفسه بصورة بالغة: أفكاره، ومظهره، وطريقة كلامه وتصرفاته.. ويعتقد أنه محط أنظار واهتمام الجميع، وأن كل من حوله يرقبه بحذر، كما أنه يشعر بأهميته المتزايدة، فهو مميز وفريد، ويستطيع أن يرى نفسه في أعلى قمم المجد، وهذا يفسر طموحات المراهقين التي تتناقض مع الحياة والتقاليد العائلية الاعتيادية الروتينية والمملة بنظره، والتي لا يوجد بها من يشعر به أو يفهمه.. كل هذا بالطبع يفسر حساسيته المفرطة لأي نقد أو ملاحظة توجه إليه، ولذلك لا بد أن نراعي كآباء هذا جيدا، خاصة أمام الآخرين، وأن يكون كل توجيه بصورة غير مباشرة.
ومن المعلوم أن الحوارات والنقاشات أغلى أماني المراهق وأعظم متطلباته من المحيطين به، فضلا عن أنها تدعم جسور التواصل، وتزيد من ثقته بنفسه، وتحمله للآراء المخالفة.. الحوار القائم على الاعتراف بأن آراءه وأقواله جديرة بالاستماع والاهتمام.. نصغي لكل تفاصيلها باهتمام بالغ، وترحاب بتعدد وجهات النظر، ومناقشة بناءة تضع النقاط فوق الحروف وتحدد المعالم بين الصواب والخطأ.. هذا أفضل بكثير من مصادرة آرائه، وتهميش أقواله، الأمر الذي يزيد من عناده، والشرود عن رحاب التوجيهات الأبوية الحنونة.
إن عذوبة اللفظ، وانتقاء الكلمات من أهم مفاتيح امتلاك قلب المراهق، خاصة أن تصرفاته غير المنطقية تدفعنا إلى نقده بألفاظ قاسية وبالتالي تزيد من مساحة الهوة بيننا وبينه، فلا يستجيب لأي إرشاد، ولا ننسى أن اللفظ الحسن العذب يسلب اللب ويسحر العقل، كيف لا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا» وقديما قالت العرب: بيانه يغني عن تبيانه.
كما أن احتكاكات وصدامات الآباء مع المراهق لا تفيد الطرفين، ويدخل الجميع في نفق مظلم، خاصة أن اختلاف وجهات النظر تظهر بصورة واضحة، فالكبير يرى الحق في جانبه باعتباره الأكثر خبرة ودراية والمسؤول عن الرعاية والحماية، والصغير يرى أنه قد شب عن الطوق وجدير بالاستقلالية وله كل الحق في إثبات ذاته، وأن الكبير من جيل مختلف تماما عن جيله، مما يحدث بينهما شرخا نفسيا يعرف بــ«الفجوة بين الأجيال»، والأخطر من هذا ممارسة الآباء لسلطاتهم ثم تركها في بعض الأحيان، وممارسة المراهقين لصلاحياتهم في بعض الإجازات والعطلات ثم انسحابه منها باقي أيام الأسبوع.
ويزيد من تعقد الموقف، المشاعر القوية الجارفة التي تميز شخصية الأبناء في هذه المرحلة إلى جانب طبيعة الآباء التي تغمرها روح الغضب والرفض.. إن التشاور في وضع وتحديد خطط عامة للعائلة والالتزام بها (القرارات المشتركة، الحل الوسط)، كفيل بحسم مادة الصراع بين كل الأطراف، وهذا لا يعني عزل الكبير عن رعاية أبنائه والعناية بهم، لكن المقصود به معاملة الأبناء على أنهم قادرون على التصرف في حياتهم وتحمل المسؤولية، مع حقنا كآباء في المراقبة والتوجيه ولكن عن بعد.
من المهم عدم المبالغة في ردود أفعالنا تجاه المراهق (قبول المراهق)... إن قبولك لابنك بعيوبه والصبر على أخطاء المراهقة يقوي علاقتك معه بشكل يساعدك على التخفيف التدريجي من هذه العيوب، إضافة إلى أنه سوف يشعر بالأمان أكثر، ويصارحنا بهمومه ومشاكله الخاصة، عندها سنساعده على أن يحل مشكلته بنفسه.
القدوة خير سياج يحفظ على المراهق ثباته واستقراره النفسي
إن المراهق خيالي بطبعه حيث يميل إلى قراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، ولذلك يجب توجيهه نحو القراءة النافعة والبحث الجاد في الأمور المعرفية الراقية، وأهمها وأنفعها التراث الديني الإسلامي. واستغلال نزعة حب الاستطلاع لديه في تنمية القدرة على البحث والتنقيب وغير ذلك من الهوايات النافعة. ويجب الاهتمام بقدرات المراهق الخاصة والعمل على توفير فرص النمو لهذه القدرات.
المراهقون لا يحبون كثرة النصائح، ولا كثرة الأسئلة، ولا كثرة الكلام..احترم ذوق ابنك المراهق في الاختيار ما دام لا يتنافى مع القواعد الاجتماعية العامة. تحدث معه كصديق واستمع لآرائه ومشاكله ببالغ الاهتمام. دعم جسور التواصل بممارسة العبادة والرياضة معا والتشارك في التنزه والتسوق وكافة الأنشطة الحياتية الأخرى، واسمح له باستخدام بعض أغراضك الشخصية. تفاعل مع المناسبات المهمة في حياته كيوم نجاحه أو فوزه في أحد الأنشطة الجماعية. لا تفش له سرا. ولا تكثر من نقده أو استجوابه. حذار من السخرية منه. لا تعده بشيء ثم لا تحققه له، ولا تعده بشيء لا تستطيع الوفاء به، لا تجبره على فعل شيء، بل اطلب منه المساعدة.
والقدوة العملية هي خير سياج يحفظ على المراهق ثباته واستقراره النفسي، فليس من المعقول أن نسهب في الحديث عن ترشيد الثورة الجنسية التي تعتري حياة المراهق وفي نفس الوقت يعج البيت بالعديد من القنوات الفضائية الخليعة التي تثير الغرائز، أو وجود الكمبيوتر أو الإنترنت في مكان منعزل من البيت يهيئ للشاب الانفراد به مما يسهل تلاعب الشيطان بفكره ومشاعره ويؤجج الشهوات بداخله، هذا فضلا عن غياب الكثير من السنن الدينية العظيمة؛ كالمواظبة على صلاة الجماعة بالمسجد، والاجتماع العائلي على تلاوة القرآن كلما تيسر الوقت.. وغيرها الكثير.
.