التربية الروحية.. المفهوم والسند الشرعي

إن الحياة البشرية لا تستقيم ولا ترقى، ولا يحدث لها التوازن المنشود، الذي يسعد الإنسان كفرد وكجماعة، في الدنيا ويفوز في الآخرة، إلا إذا ظللتها الحياة الروحية التي تقوم على صفاء الروح وطهارة النفس، كثمرة من ثمرات التربية الروحية، التي أمر بها الإسلام، والتزمها الربانيون على مر العهود، كفهم صحيح لما يدعو إليه الإسلام، من كتاب وسنة، ومن ثم سنحاول إن نجيب على السؤالين التاليين:
الأول: ما هي حقيقة التربية الروحية؟
الثاني: حقيقة وأثر الذكر في استمرار التوهج الروحي والطهارة النفسية والسمو الخلقي لدى الفرد والمجتمع.

أولًا: مفهوم التربية الروحية في الإسلام ومظاهرها والسند الشرعي لها​​​​​​​
 المقصود بالتربية الروحية في الإسلام هو الانتقال من نفس غير مزكاة إلى نفس مزكاة، ومن عقل غير شرعي إلى عقل شرعي ومن قلب قاسٍ مريض إلى قلب مطمئن سليم، ومن روح شاردة عن باب الله غير متذكرة لعبوديتها وغير متحققة بهذه العبودية، إلى روح عارفة بالله قائمة بحقوق العبودية له، ومن جسم غير منضبط بضوابط الشرع إلى جسم منضبط بشريعة الله عز وجل، وبالجملة؛ من ذات أقل كمالا إلى ذات أكثر كمالا في صلاحها وفي اقتدائها برسول الله ﷺ قولا وفعلا وحالا.

 ومن مظاهر هذه التربية أن يتحكم الإنسان في نفسه، فلا يجده الله حيث نهاه، ولا يفقده حيث أمره، ولا يظهر منه ما يغضب الله عز وجل، فهو كالغيث أينما وقع نفع، صالح في نفسه مصلح لغيره، مفيد لمجتمعه وأمته، وعلى العموم هي باقة من الفضائل والمثل الرفيعة والقيم الصالحة، القائمة على العلم والمحاسبة والمراقبة والمجاهدة الذاتية والإيثار والتضحية، وحب الآخرين، فهو كله خير ولا يعرف الشر إليه سبيلا.
والتربية الروحية بهذا المفهوم، وبهذه المظاهر لا تعني الانسلاخ من المجتمع والهروب من دنيا الناس؛ فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، ولأن الإسلام لا يضحي بمصالح العباد في الدنيا من أجل الفوز بالآخرة، ولا يعرف الخصام بين المعاش والمعاد، ولا خصاما بين الروح والجسد. بل هذا الخصام مفتعل، وضعه القاصرون في فهم الدين، والإسلام منه بريء.
إن الحياة الصحيحة للإنسان في هذه الدنيا هي أساس تكريمه وخلوده في الآخرة، وإذا انهارت دنياه بسبب انحرافه انهارت آخرته، قال تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا}، جسد الإنسان هو وسيلة في بلوغ غاياته،  فإذا وهن الجسد واعتل،  قصر المرء في تحقيق ما يريد، فما استطاع تعلما ولا جهادا ولا سعيا لنفع نفسه أو نفع أمته.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم