Business

الحوار الأسري وسيلة تربوية وتعليمية

باتت ثقافة الحوار تتقلص تدريجيًا في أوساط أسرنا، فنحن نعد الحوار من الأمور الثانوية ونحاول التركيز على أمور قد تبدو لنا أهم بكثير، مثل الربح المادي للقيام بمسؤوليات البيت، ونظن أن أطفالنا لا يحتاجون منا إلا للمال، والمفارقة أننا ننتظر أن ينشأ أطفالنا على تربية حسنة، ولكن التربية -كما هو معلوم- لا تحتاج لشخص واحد من دون الآخر فهي متوقفة على كلا الأبوين.

وفى هذه الدراسة، ترى الباحثة بشرى شاكر، أن الحوار بينك وبين أولادك هو قنطرة لعبور قيم الأجداد إلى الأحفاد، وتتمة لتاريخ مضى بتمريره لمستقبل آت، ومن هنا ينبغي علينا أن نحاور أبناءنا وكأننا نحاور المستقبل، ففلذات الأكباد هم حاضر اليوم ومستقبل الغد.

 

الحوار التربوي في الإسلام

  جعل الإسلام الحوار بين الآباء وأولادهم الركيزة الأساسية في التربية، ويتجلى لنا ذلك في موقف النبي إبراهيم -عليه السلام- حينما حاور ابنه إسماعيل في أمر إلهي وهو يعرف أنه قاضيه لا محالة، لأنه وحي يوحى وليس أمرًا بشريًا، وإنما أراد بذلك إثبات أهمية الحوار والمناقشة وجعل ابنه إسماعيل -عليه السلام- يفهم لم عليه أن يقوم بما أمر به؟ فقد قال سبحانه وتعالى عن إبراهيم وإسماعيل: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ (الصافات: 102).

   حاور إبراهيم إسماعيل ابنه عليهما السلام؛ ففهم الولد ما طلب منه وامتثل لأمر والده وقبله لأنه أمر الله تعالى، فكان أن غير الله الأضحية بكبش بدل إسماعيل -عليه السلام-، وكان يمكن أن يغير الله وحيه لإبراهيم قبل حتى أن يحاور ابنه، ولكن لله حكمة في ذلك، أولها: أن يرى طاعة نبيه له، وثانيها: أن يبرز لنا قيمة الحوار والمناقشة وأن لها ثمارًا أبلغ بكثير من العند والعنف- والله أعلم-، فحتى وهو ينوي ذبح ابنه امتثالًا لوحي الله تعالى كان إبراهيم -عليه السلام- رحيمًا في شرحه وقد كان بإمكانه أن يفعل دون أن يستشيره في أمر هو فاعله كيفما كان رده.

 

ثقافة الحوار

وهنا نذكر حديث المحللة النفسية فرانسواز دولتو حيث قالت: «ينبغي للأهل أن يحدثوا ولدهم منذ صغره عن الله بكل بساطة ودون أي تصنع، كما يتحدث الإنسان عن أي أمر مهم في حياته، فهكذا يهيئونه كي يكتشف في الوقت المناسب ما يمثله الله بالنسبة إليهم».

وهذا ما يوافقه العقل والحكمة ويبرز قيمته ديننا الحنيف، إذ إنه حتى في المسائل الدينية لا يجب أن نلقنها تلقينا للطفل وإنما أن ندرجها له حوارا يجعله يفهمها قبل أن يعتقدها إيمانًا، الحوار لا يصغر من قيمة الآباء وإنما بالعكس يجعلهم أقرب إلى أولادهم.

والحوار هو ثقافة نتربى عليها ونربي عليها أولادنا، ففي هذه السن الحديثة يتعلم الطفل الصواب من الخطأ بالحوار والمناقشة البعيدة عن العناد وفرض الرأي.

ولذلك وجب على الآباء أن يصنعوا ثقافة حوار بينهم وبين أولادهم، فيستطيعون بذلك أن يخلقوا جيلًا سويًا ومستقيمًا ويتمكنون من كسب ثقتهم فيستشيرونهم دون اللجوء إلى غيرهم، وهنا أيضًا يمكننا أن نسرد مثل نبي الله يعقوب -عليه السلام- في حواره مع ابنه يوسف -عليه السلام- كما جاء في القرآن الكريم: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾، وهنا نرى أن الحوار جعل الابن يستشير في رؤياه وأعقب ذلك نصيحة الأب.

والحوار المفيد هو الحوار الصادق، فالطفل يعرف صحة ما نقوله من عدمه وفي هذا أيضًا قالت الأخصائية فرنسواز دولتو: «يجب أن نتحدث مع الطفل وليس فقط أن نتحدث للطفل، والأهم أن نكلمه بصدق، فلا يمكننا أن نكذب على اللاشعور لأنه يعرف دائمًا الحقيقة».

والحوار ليس بالضرورة أن يتعلق بأمر معين، فقد يكون حوارًا لمجرد المزح ومشاطرة الطفل لعبه، وقد يكون حوارًا يستدرج فيه الابن لمعرفة أخباره الدراسية، ولكن دون أن يتحول ذلك إلى تحقيق بوليسي، والأهم أن يكون الحوار مبنيًا على الثقة والاحترام وليس على الخوف والتوتر، وأهم الحوارات وأكثرها إفادة هي التي يبدأ بها الطفل وليس الأب أو الأم، لأن الحوار الذي يأتي من فم طفل أو مراهق هو دليل احتياج للمعرفة وبالتالي فإن ما سيسمعه سيرسخ في ذهنه أكثر، كما أنه سيكون دليلًا آخر على رغبة الطفل في التقرب من والديه.

 

احذر

   فكما أن الحوار مهم لتربية سوية فيجب أن نحترم عدم رغبة الطفل في الحديث، فحينما لا يرغب بإخبارنا عن سبب صمته؛ فلا يجب أن نلح عليه والأفضل أن ننتظر إلى أن يرغب هو في الحديث فيسعى إلينا، وإن لم يفعل نترك له حيزا من الزمن ونسأله، ولكن دون اتباع أسلوب استفزازي أو الإصرار على حوار هو لا يرغب فيه، فاحترام الحالة النفسية للطفل ضرورية.

  ابتعاد الأبناء عن مشورة الآباء والحديث إليهم هو رد فعل عادي جدًا أمام عدم اكتراث الوالدين لهم، مما يجعلهم يلجأون إلى طرف ثالث للحديث معه، وغالبًا ما يتقرب الأطفال من أصدقائهم أكثر وخاصة مع بداية سن العاشرة فما فوق.

  والحوار المفيد هو المناقشة البناءة التي لا تتحول إلى صراع أو أوامر، ولا ينقص من قدر الطفل والنظر إليه على أنه لا يفقه شيئًا، بل يجب أن يترك له حيز من المسؤولية في النقاش والحوار واتخاذ القرار بعد هذا كله، حتى وإن كنا من نوجهه، فلنتركه هو يختار ما نريده أن يقوم به ونراه صائبًا، فهكذا سيتقبله أكثر وسيقوم به عن اقتناع، وليس هناك مانع من التودد للطفل بمناداته بأسماء يحبها كما كان يفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو ينادي زينب باسم مصغر، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: «كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول: يا زوينب، يا زوينب مرارًا».

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم