Business

تقدم خطوة في رمضان

تمر السنون تلو السنين، والأيام تتعاقبها الأيام وينجلي ليلٌ ويطلع نهارٌ، وتضيء الطريق المستقيم للسائرين على طريق رب العالمين، وتتدافع سحب الرحمة في هذه الشهور الجليلة لتتنزل بفيض الرحمة من رب العالمين، وترسل بومضات نورانية لتذكير العباد باقتراب شهر الله الكريم رمضان، هذا الشهر الذي ينتظره الجميع ما بين عابد وما بين محتفل وما بين لاهٍ، إلا أنه يأتي هذا العام والعالم كله يستجير من وباء كورونا الذي حبس الجميع، وغلقت المساجد خوفًا وجزعًا.

فشهر رمضان الذي أنزل الله فيه القرآن وفرض صومه على عباده، يجب أن يربي فينا الاستجابة الكاملة لأوامر الله عز وجل بصرف النظر عن حكمة الأمر.

فلماذا فرض الصوم في رمضان بالذات وليس في رجب أو شعبان مثلا؟ لماذا نصوم من الفجر إلى المغرب وليس إلى العصر أو العشاء؟ لماذا كفارة الجماع في نهار رمضان صيام ستين يوما متصلة وليس خمسين أو سبعين يوما مثلا؟

إنه الانقياد لأوامر الله عز وجل.. ولذا يجب أن نتقدم خطوة وخطوات في رمضان.

تقدم خطوة بصلة الرحم –حتى لو عبر الهاتف في هذه الأيام، قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه» (رواه البخاري).

تقدم خطوة بالتحكم في انفعالاتنا فلا تتملكنا هستيريا الغضب بل يجب أن نتعلم فن الصبر، فرمضان مدرسة روحانية تثلج الصدور وتزيح الهموم وتريح القلوب.

تقدم خطوة بالانتصار على شهوات النفس، والوقوف أمام ملذاتها، والحد من سيطرتها وطغيانها وجموحها، فرمضان فرصة للتغيير الحقيقي الذي يتوق إليه الإنسان.

تقدم خطوة في رمضان بالصيام مساء، فلا تبدأ إفطارك بالمنكرات، ولا تهدر وقتًا بالليل في الشوارع أو المحرمات، ولا تسرف في الطعام والشراب والملذات، ولا تضيع ليلك بين قنوات التلفاز، فساعات الليل غالية وهي أغلى في رمضان لأن فيها ليلة هي خير من ألف شهر فلا تضيعها، فالتقوى المرجوة من الصيام ليست في الصباح فحسب؛ لكنها صيام للجوارح في الليل والنهار.

تقدم خطوة في رمضان بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها، بل والمحافظة على الصف الأول– حتى في هذه الظروف التي يصلي الجميع في البيوت– فلا تضيع الصلوات، ولا تنسى وقتها، ولا تهمل سننها، ولا تضيع قيامها وأركانها.

تقدم خطوة في رمضان بأن تبتسم فأنت في رمضان، وهي نعمة كان يتمناها الكثيرون غير أن وُسِّدوا في التراب دفينا، وأنت قد أنعم الله عليك بأن بلغك رمضان، بالإضافة لذلك فقد بلغت الشهر وأنت سليم معافى فلم العبوس إذا!

تقدم خطوة في رمضان بتخفيف العبء عن زوجتك، فلا ترهقها في محيط مطبخها، فالبيت ليس فندقاً للراحة والاستجمام، بحيث لا مسئوليات، لا اهتمامات، لا مساعدات، لكن خذ بيدها إلى عالم القرآن والذكر، وعاونها في إنجاز المهام التي تستطيع إنجازها في المطبخ، بل لا ترهقها بكثرة العزائم والطعام، واترك له الفرصة لكي تغتنم اليسر من رمضان.

تقدم خطوة في رمضان بجمع أولادك حول موائد القرآن، فبلا شك كلنا يريد أن يرى أولاده الصغار شبابًا وفتيات على دين وخلق، فاحرص على تدريبهم على الطاعة في رمضان، وتحاور معهم، وتذكر أن دورك في التربية لا يقتصر عند صلاتهم وصيامهم فحسب لكنك راع في بيتك ومسئول عن رعيتك.

تقدم خطوة بأن يصبح قلبك معلقا بالقرآن، فأقبل عليه في رمضان قارئًا ومتدبرًا، فالقرآن في هذه الأيام يرفرف علينا بجناحيه في كل مكان، في المسجد والبيت والشارع ووسيلة المواصلات، وفي الصباح وفى المساء وفى جوف الليل، ولا تكن كمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب».

تقدم خطوة في رمضان وتمنَّ الخير للجميع، فلا يحزنك نجاح أحد، أو ثراءه، أو تفوق أبنائه، ولا تكن كمن يضع العراقيل أمام كل ناجح، بل كن مساهما ومشاركا –ولو بكلمة – في نجاح الآخرين، فالقضية قضية نفس، قضية ايمان وحب، نستمدهما من إيماننا بالله وحبنا له.

تقدم خطوة في رمضان بالوصول إلى الاخلاص الصعب الذي تبغضه النفس ويحبه الله عز وجل، الإخلاص الذي يستوي عندك المدح والذم، الإخلاص الذي يجعلك كصاحب النقب الذي حتى الآن لا يعرفه أحد إلا رب السموات والأرض.

تقدم خطوة في رمضان واحرص على صلاة الفجر التي ربما أضعتها شهورًا وسنينًا، فرمضان فرصة عظيمة لتنصب قدمك بين يدي الله في هذا الوقت الذي يصاحب وقت السحور، وأصدق النية وتذوق حلاوته حتى يديم عليك الله هذه النعمة بعد رمضان.

تقدم خطوة في رمضان بعدم الإسراف في الطعام والشراب، وعدم السهر دون فائدة، وعدم إضاعة النهار في النوم وتدعي أنك إلى الله صائم، أو أن تتكاسل في عملك بحجة أنك صائم، ونظم وقتك بما لا يدع مجالا للتضييع هذه الأوقات العطرة التي ربما لا تعود مرة أخرى.

تقدم خطوة في رمضان بمحاسبة نفسك ومواجهتها كل حين حتى تصل لمصاف النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على كل ذنب يرتكبه، فأنت وحدك تعرف ما تفعله من أخطاء ولا يعرفه الناس، فمواجهة النفس تتطلب شجاعة وصفاء نفس وإيمان ورغبة حقيقية في إصلاحها.

تقدم خطوة في رمضان قبل أن يأتي اليوم الذي يعلن فيه ميعاد رحيله، وتذكر أنك قطعت نصف الطريق فلا تعُد من حيث أتيت وأكمل تقدمك فيما تبقى من رمضان أو بعد رحيل رمضان، فلا تنسى صحبتك لرمضان في بيتك طيلة شهر كامل، ولا تنسوا الوعود التي أخذتها على نفسك بالمداومة على الصلاة وحسن الطاعات.

كيف حالك الآن أخي بعدما تقدمت كل هذا الخطوات في رمضان أترغب في الرجوع عنها؟ أم تريد أن أحياك الله لرمضان القادم أن تزيد عليها؟

توقف؛ فرمضان هذا العام لم ينقض فسارع بالتقدم خطوة ولا تتكاسل.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم