Business

المسجد وتربية المجتمع والأمة

المسجد هيئة إسلامية عظيمة تفُوق جميع الهيئات واللجان التي تنشأ وتقام في البلدان، ولا يمكن إصلاح المجتمع إلا بتفعيل دور أكبر مؤسسة وأعظمها على وجه الأرض، وهي المساجد؛ لأنها تربي المجتمع تربية إيمانية متكاملة.

المساجد في عهد السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- كانت منارات تُضيء الدنيا وتُصلح المجتمعات، وتُخرّج الرجال وترَبِّي الأجيال، وتزودهم بالغذاء الروحي والزاد الإيماني، وتُكسبهم الأخلاق الحميدة والسمات الفريدة، وتزيل عنهم أوضار الجاهلية ونزواتها الشريرة، ولم يقتصر دورها -كما هو الواقع اليوم- على أداء الصلاة وخطبة الجمعة وتلاوة القرآن؛ وإنما كان لها دور إيجابي فعال في كل نواحي الحياة؛ التعبدية والتربوية والتعليمية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والقضائية… فأخرجت قادة الدنيا الذين غيروا وجه التاريخ، وقادوا البشر وسادوا الأمم بعد أن كانوا بدوًا رعاة للغنم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح : 29].

كانت المساجد في عهدهم جامعةً للعلم، ومحكمة للحق، ومركزًا للتجمع، ونقطة للانطلاقة، ومكانًا للعبادة، ومركزًا للقيادة، وبرلمانًا للسياسة، وأساسًا للدولة، عقدَ فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألوية الجيوش، واستقبل فيها الوفود، وأبرم فيها المعاهدات، وأقام الاجتماعات والمشاورات.

والمسجد مجتمع مصغر عن المجتمع الكبير الذي يضم الناس، له قوانينه ووظائفه ومسؤوله وآدابه وحدوده وحقوقه، وتكمن أهمية المسجد في عدة أمور:

1- بيت من بيوت الله يجتمع الناس فيه على ذكر الله وعبادته، تغشاهم وتتنزل عليهم الرحمات لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» (سنن أبي داوود).

2- يرتقي به المسلم ويعرج بروحه وقلبه إلى السماء، فما إن تدخل قدمه حتى يلقى عن كاهله كل الأحمال والأثقال ومشاغل الدنيا؛ فيطير إلى الله من أوحال الأرض وأثقالها إلى أنوار السماء وخيراتها.

3- جامعة للعلوم وحلقات العلم وتعليم الناس أحكام دينهم، ومنبر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4- يتعرف الناس ويتقرب بعضهم إلى بعض، فيفتقدون غائبهم ويعودون مريضهم ولن يتم ذلك ما لم يتلاق المسلمون يوميًا على مرات متعددة.

5- مدرسة للنظام وضبط المواعيد، وتوحيد الصف وجمع الشتات، وإيثار طاعة الله وأمره على أهواء النفس وشهواتها.

6- مكان يتعرف الناس ويستطلعون فيه قضاياهم وقضايا الأمة.

7- القلعة التي تنطلق منها الجيوش تبليغًا لرسالة السماء وتذليل الصعاب من أمامها لتبلغ القاصي والداني.

إنّ عودة المسجد لدوره الذي أنشئ له ابتداء ضرورة واجبة، واستقلاليته عن قوانين البشر فلا يستمد أحكامه وقوانينه إلا من وحي السماء؛ فيتخلص من كل تبعية تدور في فلك البشر ليكون مشعل النور والهداية الذي يرتوي منه الناس، فيضبطوا خطواتهم على أنواره ويصححوا مسار أفئدتهم وبوصلة أرواحهم؛ فتعرج بهم من طينية الأرض إلى نور السماء، وقتها فقط تعود رسالة المسجد لطبيعتها التي فقهها المسلمون الأوائل؛ فساروا على أنوارها فجمعت أشتاتهم ووحدت صفوفهم من بعد تشرذم وتفرق، وأزالت من دروبهم عقبات الأثرة والتعالي والأنانية؛ فانصهروا جميعًا في بوتقة من الوحدة الراسخة التي تتحطم على أعتابها كل دواعي التفرق والاختلاف.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم