إن عوامل التوتر أو الصراع الأسري قد تعود إلى أسباب شخصية أو اجتماعية أو ثقافية مع مراعاة أن الصراع لا يحدث نتيجة لعامل واحد، فهو يأخذ الطابع التدريجي التراكمي الذي تحكمه عمليات متداخلة يصعب فصل بعضها عن بعض، كما توجد عمليات وعوامل أخرى تجعل الصراع مستمرا في نطاق الأسرة قد تؤدي في النهاية إلى تفكك الأسرة أو انهيار الكيان العائلي.
وفي هذه الدراسة، يكشف الباحث إيديو ليلى، جامعة عباس لغرور خنشلة (الجزائر)، أثر التفكك الأسري والمشاجرات والطلاق على البناء النفسي والشخصي للطفل.
أثر التفكك الأسري في نفسية الطفل
تنشئة الطفل نفسيا ورعايته في المرحلة الأولى من حياته لها أثر بالغ في تاريخه السلوكي فيما بعد، فإذا لم يقم بها الوالدان أو القائمان على شؤون الطفل على أسس سليمة من الصحة النفسية، فإنها سوف تؤدي به إلى مسالك خطيرة لا يستطيع الانفكاك منها في المستقبل .
ويمكن الإشارة لبعض النتائج التي قد تترتب عن هذا النمط من الأسر فيما يلي:
المشاجرات الأسرية والطفل
لا يعد استمرار الحياة الزوجية مع قيام حالة من التوتر العنيف بين الزوجين خيرا مطلقا، نظرا لما يعود به هذا التوتر من آثار سلبية على نفسية الطفل وتكوينه الطبيعي، وقد أبدت الدارسات الخاصة بمشكلات الأسرة اهتماما ملحوظا بمشكلات عدم توافق الشخصية داخل الأسرة وبمدى خطورة هذا النوع من الأسر على شخصية الطفل.
وتظهر آثار الخلاف بين الزوجين حول القيم والمعايير الأساسية في واحدة أو أكثر من الصور التالية :
- تنازع الولاء داخل الأسرة، يؤدي بالطفل إزاء الضغوط الانفعالية التي يعانيها نتيجة للتوتر العنيف بين الوالدين إلى الانتماء إلى أحد المعسكرين دون الآخر، أو ينقسم الأولاد على أنفسهم، أو يقفون جميعا على الحياد إن كانوا يعقلون.
- خيبة أمل الطفل في مصدر السلطة وهو الأب، ومظهر العطف وهي الأم، يدفعه إلى الانتماء للعصابات التي يجد بينها الإشباع العاطفي الذي يفقده في أسرته، ويتعرض الطفل وخاصة في المراهقة إلى حالات خطيرة من الانحلال الخلقي لانعدام الضابط الخلقي واهتزاز المثل العليا في محيط أسرته .
- في مثل هذا المنزل يهمل شأن الطفل ويكون دائما تحت ضغط الوالد أو الوالدين، ومن هنا يشعر الطفل بالقلق والعداء والحيرة والحرمان، وقد أثبتت الاختبارات أن هذا الأخير إذا تعذر عليه إقامة علاقات عاطفية مع والديه فإنه يتعذر عليه إقامة علاقات اجتماعية مع الغير بعد ذلك.
- من أسباب تمزق حياة الطفل الداخلية وجود النـزاع الظاهر بين الأبوين اللذين يعيشان معا، وحتى الخلافات الأبوية التي يظن الأبوان أنها خافية على الأطفال تسبب لهم اضطرابا عنيفا.
آثار الطلاق في نفسية الطفل
الطلاق يعني تهدم مجتمع الأسرة وتعريض الأطفال لاهتزازات في شخصياتهم، فالطفل الذي يترعرع في أحضان والديه محظوظا برعايتهم ثم يجد نفسه بعد انفصالهما بالطلاق محروما من رعاية أحدهما، تكتمل في نفسه مشاعر القـلق والخوف والتشاؤم، ويتعثر في مسيرته.
وتتبدى معاناة طفل الطلاق في الحالات التالية:
- قد يكون الصراع الداخلي أهم ما يعانيه الطفل نتيجة انهيار الحياة الأسرية.
- في الكثير من الحالات ينتقل الطفل من البيت المتصدع ليعيش غريبا مع أبيه أو مع أمه، حيث تظهر مشكلات من نوع خاص في حالة الأسر التي يحطمها الطلاق، إذ ينبغي على الطفل أن يتكيف مع زوجة الأب أو زوج الأم، بينما يشعر أن أباه وأمه الحقيقيين على قيد الحياة، وقد يقوم الطفل بالمقارنة بين أباه وبين الوالد البديل، وتمتثل أمامه بصفة مستمرة صورة غير مستحبة لخبرة أليمة سابقة.
- يتحتم على الطفل الذي يتنقل بين الأبوين المطلقين أن يتكيف مع بيئات منـزلية مختلفة، وبطبيعة الحال سوف يجد اختلافًا بين البيئتين في الكثير من الأمور وأساليب الحياة، كما قد يلتقي بإخوة لأبيه ولأمه في كلا الموقفين، وقد تختلف المستويات الاجتماعية والعادات والتقاليد... وغيرها، ولذلك يجب على الطفل أن يتعلم كيفية التأقلم والتكيف مع البيئتين المختلفتين، إذ ينبغي عليه تجنب الحديث عن الوالد الآخر، والتدرب على طريقة مقبولة في مخاطبة الوالد الجديد، ومعرفة ما إذا كان بإمكانه اصطحاب أصدقائه للمنـزل، وما هي الحدود التي يجب الوقوف عليها في حديثه عن الماضي؟ وما هي المواضع التي يمكن للطفل الحديث عنها عند تنقله بين الأبوين؟ مثل هذه الضغوط والقيود والمخاوف هي التي تؤدي إلى ارتباك الطفل واضطرابه .
- تنمو عند الطفل اتجاهات متباينة نحو الأبوين، ونتيجة عدم إدراكه للأسباب أو الدوافع الكامنة وراء الصراع بين الأبوين يتعرض الطفل للقلق والاضطراب، أما إذ أدرك أغراض الأبوين فإنه يتعرض للإحباط والشعور بالمرارة.
- يؤدي اضطراب حياة الطفل الأسرية إلى اضطراب نموه الانفعالي والعقلي، ويمكن أن نتوقع اضطراب حياته الدراسية ومقدار تحصيله العلمي وعلاقاته مع الآخرين.
.