هدفت هذه الدراسة التي أعدّها د. مطلق بن طلق العتيبي -كلية العلوم الاجتماعية- جامعة أم القرى، إلى رصد أثر عقوبة سجن أحد الوالدين في أفراد الأسرة وبخاصة الأبناء.
وخلصت الدراسة إلى أن أثر عقوبة سجن أحد الوالدين تتناسب عكسيا مع علاقة الأب أو الأم بأفراد الأسرة طوال فترة السجن؛ ما يستلزم تقوية علاقة الأب أو الأم بأفراد أسرتهما أثناء قضاء عقوبة السجن؛ من خلال تسهيل إجراءات الزيارة، وتخصيص أوقات لزيارة الأطفال والزوجات.
وأيضاً: السماح للأب والأم بالتواصل مع الأبناء، والتواصل مع الزوج أو الزوجة باستخدام قنوات التواصل الإلكتروني الحديثة، إضافة إلى التوسع في تطبيق بدائل العقوبة السالبة للحرية، والعمل على إيجاد طرق جديدة لرعاية أسر السجناء.
أثر عقوبة سجن أحد الوالدين على الأطفال
يترك سجن أحد الوالدين آثارا سلبية على الأطفال بشكل لا تخطئه عين، وذلك على النحو الآتي:
يعاني الأطفال من جراء سجن أحد الوالدين آثارا نفسية مثل: صعوبات التعلم، وقلة احترام الذات، والسلوك العدواني، والتبول اللاإرادي، ونوبات الغضب، والغيرة، والإحباط وكذلك خلل عاطفي.
وتظهر الحقائق والأرقام حول أسر السجناء، أنه عند دخول أحد الوالدين السجن غالبا يشعر الأطفال بالحيرة والارتباك، والشعور بالذنب والخوف؛ بسبب انهيار وتصدع عالمهم المحيط. ويواجه الأطفال في كثير من الأحيان المشكلات النفسية والصحية، حيث يصبحون انطوائيين منكبين على أنفسهم، ويتسمون بالغضب أو الانحراف، وبالسلوك المدمر للذات وعدم احترامه، وضعف الأداء التعليمي.
وهذا ما ذكره شو في دراسته عن "أيتام القانون"، أن الأطفال الذين سجن أحد والديهم يعانون مشكلات مختلفة، مثل: الاكتئاب، والسلوك العدواني المفرط، والانسحاب، ومشكلات في النوم، والأكل، والهروب والتغيب عن المدرسة، وتدني التحصيل الدراسي.
وفي دراسة عن (الأم أو الأب في السجن)، يتصف أبناء السجينات والمساجين بالسلوك العدواني، وبخاصة تجاه الأفراد الموجودين في السلطة، وقد يعاني بعضهم أمراضا نفسية كالتبول غير الإرادي والانسحابية والكبت، ويظل القلق حتى بعد عودة الأم أو الأب من السجن، وينتاب الأطفال حالة من الخوف بسبب شعورهم أنهم قد يفقدوهما مرة أخرى.
كذلك، من الأمور المحزنة بالنسبة للطفل الذي سجن أحد أفراد عائلته في السجن ما يصدر عن المحيط به، حيث يحرصون على إشعاره بالدونية؛ وهو ما يدفعه إلى تجنب بعض المجموعات أو يلجأ إلى الانسحابية والعزلة عن الآخرين.
عند دخول الأب السجن تتدهور الحالة النفسية للأبناء، وتسوء حالتهم، ويشعرون بالقلق والإحباط والحرمان العاطفي؛ لإحساسهم بالعار والفضيحة من جرا ء سجن الأب.
وتكون المعاناة النفسية للأطفال بشكل أكبر عندما يكون المسجون هي الأم، فقد يشعر الطفل الذي تكون والدته في السجن بالانفصال، أنه نوع من الحرمان، إضافة إلى الخوف من أن الآخرين الموجودين في حياته قد يبتعدون عنه أيضا.
- ثانيا: أطفال ما قبل المدرسة
لا يفهم الأطفال في عمر ما قبل المدرسة المواقف المعقدة والبواعث وراءها، ولكنهم يلاحظون مشاعر القريبين منهم. فقد أشار أليسن كالنجام وليندا بيكر في دراستهما عن أبناء الأمهات الموجودات في السجن إلى أنه بالرغم من أن الأطفال الرضع لا يشعرون بما يحدث، إلا أنهم يتأثرون بالضغط الذي يشعر به من حولهم، وبخاصة أثناء الفترات الحرجة والصعبة قبل وبعد السجن الاحتياطي للأم.
فقد ينقطع هؤلاء الأطفال عن الرضاعة بشكل مبكر جدا، ويتغير نظام غذائهم، والتعامل مع التغيرات التي تأتي مع من يتولى رعايتهم بعد ذلك. وقد يعيش كثير منهم في دور للرعاية، ويؤدي هذا الانقطاع في الصلة بالأم إلى الشعور بالكبت والانسحابية والأمراض النفسية الأخرى.
ومن العوامل الأخرى التي تؤثر في الأطفال في هذا العمر، تولي أشخاص غير مناسبين لرعايتهم (أشخاص مسيئين أو مهملين)، والاضطرابات والضغط الأسري الشديد، وانخفاض القدرة على التنظيم الذاتي، وكذلك تتفاعل هذه العوامل مع تحديات أسرية أخرى.
كذلك من المخيف جدا للطفل الصغير، مشاهدة أحد والديه أو أفراد أسرته أثناء قيام قوات الشرطة بالقبض عليه. فقد يشعر الأطفال بالارتباك والحيرة وحتى الغضب، ويشعر بعدم الأمان في البيت بعد ذلك.
كذلك، من الآثار المترتبة على عقوبة سجن أحد الوالدين نظرة الأطفال في عمر قبل المدرسة للنظام القضائي على أنه غير عادل؛ فيلومون الشرطة أو القاضي بأخذهم أمهاتهم أو آباءهم بعيدا عنهم، مما يجعلهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ضحايا هذا النظام.
- ثالثا: الأطفال في سن المدرسة (من 6-14 سنة)
الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 14 سنة لديهم إدراك عاطفي لأنفسهم وللآخرين بشكل كبير، ويفكرون بشكل أكثر تعقيدا عما هو صحيح وما هو خطأ وعن الأسباب والآثار. ففي العائلات التي يتم سجن أحد الوالدين، يحتاج الأطفال إلى فهم سلوك الأم أو الأب بطريقة تجعلهم يستمرون في النظر إليهما على أنهما شخصية صالحة. وسيركزون على صحة ظروف القبض والمحاكمة وليس على السلوك في حد ذاته.
وكنتيجة لذلك، قد ينظرون إلى النظام على أنه غير عادل أو متحيز، وقد يجدون تبريرا لسلوك أحد الوالدين، ويعتقدون أنه مضطهد من جانب النظام، مما ينتج عنه صعوبات في التكيف مع المجتمع، ويمكن أن يظهر ذلك بطرق مختلفة، تتمثل في: العنف، وصعوبة التركيز، والهروب المتكرر والدائم من المدرسة، وقد يصل الأمر إلى تكوين بعض الاتجاهات المعادية للمجتمع، المتمثلة في سلوكهم الإجرامي بعد ذلك.
قد يشعر هؤلاء البالغون بالغضب من والديهم أو من النظام، أو بالخزي والحزن والحيرة والذنب، وقد يشعرون بالعزلة أو وصمة العار كابن لسجين أو سجينة، والخوف من اكتشاف المجتمع لحالهم؛ لذا يبتكر هؤلاء الشباب خطط المواءمة للتعامل مع هذه الظروف، تتمثل في تحمل المسؤولية مبكرا، أو قد ينعكس هذا التواؤم على تعاطي المخدرات أو الكحول والهروب من المدرسة.
لذا، فإن وضع أحد الوالدين في السجن قد يضع المراهقين في خطر أكبر، وهو أن يصبحوا بأنفسهم يوما ما مشاركين في نظام العدالة الجنائية، فقد تبين أن احتمال القبض على أطفال مرتكبي الجرائم والانتهاء بهم إلى السجن ستة أضعاف نظرائهم من الأطفال العاديين.
.