Business

نمذجة شمولية الإسلام.. ضرورة تربوية

يتميز صاحب الأخلاق بالهدوء والقدرة على ضبط النفس، والدين الإسلامي بشكل عام يشكل سندا للأخلاق.. ويُنظَر إليها على أنها نوع من أنواع الدراسة.. حيث يقيَّم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير واضحة للسلوك.. يضعها الإنسان لنفسه أو يعدّها التزامات وواجبات تتم أعماله وفقا لها أو في ضوئها.

إننا لن نحتاج إلى إضافة أخرى لو طبقنا إسلامنا في الشوارع وفي المنازل وفي العمل وفي السياسة وفي الاجتماع وفي الاقتصاد، قال الله تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، فإن كان ديننا الإسلام، ودستورنا القرآن والسنة ومناهجنا إسلامية، فلماذا لا تكون حياتنا إسلامية، وكيف لا نكون قدوة؟ فلو طبقنا مزايا إسلامنا لأصبحت شعوبنا خير الشعوب وأكرمها وأعزها وأقواها.

فالإسلام يتجسد في الأب في بيته والذي يسعى جاهدا لتربية أبنائه ليكونوا لبنات صالحة، كما يتجسد في المعلم في مدرسته والذي يبني كل يوم غراسا نافعا في عقول الطلاب، ويتجسد في إمام المسجد الذي يؤدي مهمة عظيمة في تبيان الحق من الباطل وربط محراب الدين بالدنيا، ولا يقتصر على هؤلاء بل يتجسد في المسؤول والحاكم والسياسي الذي لا يألو جهدا في تيسير وتسهيل مطالب الناس وخدمتهم من موقعه بإحسان.

إن البعض يعمل جاهد لقصر الدين على الصلاة والزكاة والحج وفقه الحمامات، ويحاربه إذا تكلم في شئون السياسة وقدم الأفكار في علم الاقتصاد وعمل على حل المشاكل الاجتماعية، فهؤلاء كالدمى يحركهم أعداء الدين حتى يظل المسلمون في طور العبودية للمادة وللغرب.

فالإسلام بالنسبة لهم شيء خارجي يجب أن يبقى خارجًا بالحياة بالسياسية مثلًا (العلمانية) أو بالسلطة الانتخابية (الديموقراطية) أو بالطرق والوسائل والأحكام التجارية والمالية (الرأسمالية)، بالنسبة لهؤلاء، فالإسلام هو بالصوامع لا غير، وهؤلاء فشلوا فشلًا ذريعًا في تذوق معنى الإسلام أو حتى معرفة الغاية من وجوده، ولذا لا يدركون قيمة الحياة، فالإنسان بلا دين صحيح هو إنسان بلا قيمة.

فالإسلام هو سبب الحياة، وغاية الوجود، وسرّ الكون وجوهر الخلق، والأشياء هي التي تدخل تحت إطار الإسلام وهي التي تقوم بتفصيل نفسها على مقاسه.

يقول الشيخ ابن باز: «الدين عام، يعم المسجد ويعم البيت ويعم الدكان، ويعم السفر ويعم الحضر ويعم السيارة ويعم البعير، يعم كل شيء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]. يعني في الإسلام كله».

وقد لخص الإمام حسن البنا علاقتنا بالإسلام في الأصل الأول من الأصول العشرين من رسالة التعاليم فقال: «الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعا. فهو: دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة، أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة، أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة، وعبادة صحيحة، سواء بسواء»

ويؤكد في موضع آخر: «أستطيع أن أجهر فى صراحة، بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا بعيد النظر، فى شؤون أمته، مهتما بها غيورا عليها».

إذا الإسلام منهج متكامل، تشريع شامل لكل مجالات الحياة، فهو إيمان وعمل، عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، فكر وعاطفة، أخلاق وعمران، فلماذا لا نطبقه في حياتنا لكي نسعد في الدنيا والآخرة؟

إن المرض العضال الذي أصاب هذه الأمة هو الخلل في الفهم الصحيح لمبدأ الشمولية في الإسلام، وأقصد بالشمولية هنا أن الإسلام كشرع سماوي أراد الله الحكيم سبحانه منه أن يفي بحاجة الإنسان لما ينظم له كل شؤون الحياة، فوضع له القواعد الكلية والأصول العامة التي من شأنها أن تستوعب المكان والزمان، ولم يتطرق لجميع جزئيات الحياة وتركها لاجتهادات الإنسان حسب حاجات عصره، وإن النظرة القاصرة لمفهوم الشمولية للإسلام هو الذي أنتج هذا الفهم الخاطئ الذي ظهرت أعراضه في فئات مختلفة من المجتمع.

لقد ضرب لنا النبي القدوة صلى الله عليه وسلم المثل في الشمول والتنوع والتوازن في شخصيته عليه الصلاة والسلام، فكان أبًا، وكان زوجًا، وكان رئيس دولة ومؤسسها، وكان القائد الأعلى لجيش الإسلام والمحارب الفذ، وبعث للإنسانية عامة؛ فشرع لها بأمر الله ما يلزمها في كل جوانب حياتها العقدية والعبادية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية.

فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لشمولية الإسلام في كل المناحي فلماذا لا نطبقه في حياتنا، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام:162].

فنرى نصوص القرآن الكريم الكثيرة لم تفرق بين فرضية الصيام والوصية، أو القصاص أو المواقيت أو الحيض أو الجهاد.. وهذا نموذج مصغر عن شمولية الإسلام في القرآن الكريم.

ولقد ساق زميلنا الصحفي مصطفى عاشور بعض المواقف العملية على ثمار تطبيقنا لتعاليم إسلامنا في مناحي حياتنا، فقال:

«في السبعينيات من القرن الماضي أصر كوكبة من الطيارين المصريين، المؤمنين بربهم والمجدين في عملهم؛ على منع تقديم الخمور على خطوط شركة مصر للطيران، وتصدى لهم المرجفون في المدينة والذين في قلوبهم مرض، واحتجوا بأن الشركة سوف تخسر عملاءها، وسوف ينصرف عنها السياح والركاب الأجانب.. لكن الشركة مشكورة استجابت لرغبة الطيارين الشجعان، وامتنعت عن تقديم الخمور على خطوطها.. فماذا كانت النتيجة؟

أقبل الركاب من جميع الجنسيات على استخدام خطوط الشركة المصرية، وأصبحت معظم الخطوط محجوزة مقدمًا لشهور عدة وحققت الشركة الأرباح والنجاحات، وتوارى المشككون خجلًا وسلموا بالأمر الواقع»,

وفي مجال الرياضة شكك المرجفون اللاعبين المسلمين في جدوى الصيام في رمضان، وزعموا أنه سوف يؤثر على جهدهم وعطائهم في الملعب، مما قد يتسبب في هزيمة فريقهم وعلى الرغم من أن الشمس تغرب في بعض الدول الأوربية في العاشرة مساءً، والنهار طويل جدًا، إلا أن اللاعبين المسلمين أصروا على الصيام حتى ولو وقع عليهم عقاب ففي الدوري الإنجليزي رفض اللاعبان الهولنديان بريس وأبو ديابي لاعبا نادي الأرسنال الإنجليزي الإفطار، وكذلك الفرنسي أنيلكا مهاجم فريق تشيلسي الإنجليزي، ودخل اللاعب المالي كانوتيه مهاجم فريق أشبيلية الأسباني في مشاكل مع إدارة فريقه ورفض الإفطار أيضًا وأصر على خوض المباريات وهو صائم، وهدد بالرحيل إذا لم يستجيبوا لمطالبه، وتبعهم العديد من اللاعبين المسلمين في فرنسا وألمانيا وأصروا على الصيام، ومرة ثالثة يعود مثيرو الفتنة إلى جحورهم مطأطئين رءوسهم، يجرون أذيال الخزي والهزيمة والانحدار.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم