(3) أساليب التربية الجماعية (النشاط والخبرة)

3- أسلوب النشاط:

ويقوم على وضع المتعلم في نشاط أو خبرة مباشرة، ويتعلم من خلال ممارسة النشاط واستخدام كل قدراته في ممارسة هذا النشاط. وهذا الأسلوب هو ما أسماه الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1859 - 1952م) بــ (أسلوب الخبرة)، وألف فيه كتابًا أسماه (الخبرة والتربية)، وعرف هذا الأسلوب بأنه: «النمو داخل الخبرة»، ونادى جون ديوي - في ضوء تبني هذا الأسلوب – بـ«التعلم بالخبرة - أي بالنشاط - ومن الخبرة، وللخبرة»؛ لذا فقد نسب كثير من التربويين أسلوب النشاط (الخبرة) إلى جون ديوي.

لعلنا ندرك أن ذلك ظلم للمنهج الإسلامي والتربية، وخاصة بعد تأصيل أسلوب النشاط من السنة المطهرة.

تأصيل الأسلوب:

روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رجلًا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله -أي سأله الصدقة- فقال: في بيتك شيء؟ قال: بلى حلس نبسط بعضه ونلبس بعضه، وقعب نشرب فيه الماء. قال صلى الله عليه وسلم ائتني بهما. فأتاه بهما؛ فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: آخذهما بدرهم. قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثًا. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ صلى الله عليه وسلم الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فائتني به؛ فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده، ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يومًا؛ فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم؛ فاشتري ببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير لك من تجيء المسألة نكتةً في وجهك يوم القيامة.. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: ذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع».

وإذا حللنا هذا الموقف تحليلًا تربويًا، لاستنتجنا ما يلي:

أ‌-             أن المشكلة التربوية التي واجهت النبي صلى الله عليه وسلم هي استباحة الأنصاري أموال المسلمين باستجداء الناس، برغم قدرته على العمل وكسب الرزق، ومن ثم أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتقل بشخصية هذا الأنصاري من رجل يستجدي أكف الناس إلى عضو منتج في المجتمع، يعمل، ويأكل من كسب يده.

ب‌-          أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن التوجيه والنصح والإرشاد أسلوب لا يجدي في مثل هذا الموقف؛ فاختار أسلوب النشاط (الخبرة العملية)؛ ذلك أنه أراد أن:

  • يذيق الأنصاري لذة الأكل من عمل اليد، وكسب المال بالعمل.
  • يعلم الأنصاري -بالتجربة العملية- أن هذا المال الذي يستبيحه لم يأت بسهولة، وإنما يحصله العبد بعد عناء وتعب وجهد ومشقة؛ لأن الأنصاري إذا علم ذلك فسوف يحجم عن استجداء الناس.
  • يربي الصحابي بمنهج عملي متكامل؛ فخطط له خبرة عملية، حدد الوقت اللازم لها (خمسة عشر يومًا)، ثم أجرى صلى الله عليه وسلم في نهاية المنهج عملية التقويم.

وواضح أن كلا الأمرين لا يمكن إكسابهما للصحابي بالنصح والإرشاد، ولا يفيد في ذلك إلا أسلوب النشاط.

تطبيق أسلوب النشاط:

أ‌- في البيت:

يمكن تطبيق أسلوب النشاط بالبيت في عدة مواقف؛ منها على سبيل التمثيل -لا الحصر- اصطحاب الوالد ابنه المسرف في النفقات إلى مكان العمل وتكليفه بعض الأعمال في حدود قدراته؛ لإشعاره بالجهد المبذول من أجل الحصول على المال. ومن أمثلة تطبيق أسلوب النشاط بالبيت - أيضًا علاج مشكلة الانطواء والخجل بتمرير الطفل في مواقف نشاط تعالج هذه المشكلة؛ كتحية الضيوف، والرد على المكالمات الهاتفية.

ب‌- في المدرسة:

يمكن استخدام أسلوب النشاط في علاج سلبية التلاميذ بضمهم إلى جماعات ا لنشاط الحر، وتكليفهم واجبات محددة؛ كجماعة الرحلات، والصحافة المدرسية، وجماعة إحياء المناسبات الدينية والوطنية، كما يمكن علاج مشكلة الانطواء بإشراكهم في تمثيل بعض الدروس المقررة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم