Business

التربية ومعالجة الأخطاء بطريقة: «ما فعل شِرادُ جملك؟»

إنّ وقوع الأخطاء من الأبناء يُعد أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا، خصوصًا إذا كانوا صغارًا.. ولم تكتمل لديهم المعايير التي يميزون بها بين الصواب والخطأ، والضار والنافع، وما يليق وما لا يليق، لكن إذا كبر الأطفال وصاروا مراهقين ومراهقات فإنّ أخطاءهم تكون من نوع جديد ومختلف عن ذي قبل، وكثير منها يتعلق بآثار التغيرات النفسية والجسمية التي تعتريهم في هذا المرحلة المهمة من عمرهم.

وليست المشكلة في أن يخطئ الابن؛ فلولا الخطأ ما أدرك الصواب، لكن المشكلة الحقيقية هي: كيفية معالجة الخطأ بطريقة سليمة تحول دون تكراره، ونكوّن خبرة سليمة لديهم مفادها أن هذا السلوك خاطئ ومرفوض ولا يليق بهم أن يفعلوه.

فماذا تفعل عزيزي المربي إذا قدّر الله أن تطلع على شيء من ذلك؟ وكيف ستعالج الموقف؟ إليك الجواب النبوي الرائع عبر هذه السطور التي كتبتها الباحثة: سحر شعير.

 

المدرسة النبوية

إنّ نبينا الكريم صاحب أكبر وأفضل مدرسة تربوية يمكن أن يتعلم منها الآباء والأمهات والمربون، نقتبس من هديه اليوم أسلوبًا رائعًا عالج به ﷺ خطأ وقع فيه أحد شباب الصحابة- رضوان الله عليهم- هو خوّات بن جبير- رضي الله عنه-، فلنمضِ معه وهو يحكي ويروي لنا بنفسه قصة الخطأ الذي ارتكبه، وكيف عالجه النبي ﷺ.. يقول خوّات- رضي الله عنه-: أسلمت وهاجرت إلى النبي ﷺ، فبينما أنا في بعض طريق المدينة إذ أنا ببغيّ من بغايا الجاهلية قد كانت لي خِلًا (صديقة) فحجبني إسلامي عنها، ودعتني نفسي إليها، فلم أزل ألتفت إليها حتى تلقاني جدار بني جذرة (صدمه الجدار) فسالت الدماء وهشم وجهي، فأتيت النبي ﷺ على تلك الحالة فقال: «مهيم؟» (يعني: ماذا حدث لك؟) فأخبرته، فقال ﷺ: «فلا تعد، إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيرًا عجّل له عقوبته في الدنيا».

لكن بعد هذا الموقف بأيام يكرر خوّات بن جبير- رضي الله عنه- الخطأ نفسه لكن بصورة مختلفة، فقد روى الطبراني أن خوّات بن جبير- رضي الله عنه- قال: «نزلنا مع رسول الله ﷺ مُرّ الظهران، قال: فخرجت من خبائي فإذا أنا بنسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت عيبتي فاستخرجت منها حلة فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج رسول الله ﷺ من قبّته فقال: أبا عبد الله، ما يجلسك معهن؟ فلما رأيت رسول الله ﷺ هبته، واختلطت، قلت: يا رسول الله، جمل لي شرد فأنا أبتغي له قيدًا. فمضى واتبعته، فألقى رداءه ودخل الأراك كأني أنظر إلى بياض متنه في خضرة الأراك، فقضى حاجته وتوضأ فأقبل ظاهرًا (راجعًا) يسيل من لحيته على صدره أو قال يقطر من لحيته على صدره، فقال ﷺ: «أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟»، ثم ارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: «السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟».

فلما رأيت ذلك تعجلت إلى المدينة واجتنبت المسجد والمجالسة إلى النبي ﷺ، فلما طال ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد فأتيت المسجد فقمت أصلي، وخرج رسول ﷺ من بعض حجره فجأة فصلى ركعتين خفيفتين وطوّلت رجاء أن يذهب ويدعني، فقال: طوِّل أبا عبد الله ما شئت أن تطول فلست قائمًا حتى تنصرف، فقلت في نفسي: والله لأعتذرنّ إلى رسول الله ولأبرئنّ صدره، فلما قال: «السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد ذلك الجمل؟»، فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت، فقال ﷺ: «رحمك الله ثلاثًا، ثم لم يعد لشيء مما كان».

ما أروع هذا الموقف العملي، ولكم يحتاج كل من يقوم بالتربية إلى أن يعايشه ويقتبس من فوائده، والصحابي الجليل خوّات بن جبير- رضي الله عنه- لم يبخل علينا بذلك، بل قصّ علينا تجربته كاملة بكل تفاصيلها الزمانية والمكانية والنفسية وكأننا نراها من داخله هو رضي الله عنه، فهو يخبرنا أنه كانت له تجربة أولى مع الالتفات نحو أخطاء الجاهلية التي حجبته عنها نعمة الإسلام، وكيف أنّ الله تعالى عاجله بالعقوبة وحذّره النبي ﷺ من العودة إلى ذلك الذنب حيث قال: «فلا تعد»، لكن النفس الإنسانية تأبى إلا أن تعود في كثير من الأحيان، وهذه شكوى كثير من المربين- تكرار الخطأ مع سابق التحذير منه.

 

دروس تربوية من القصة

إنّ المتأمل في هذا الحديث الشريف يضع يده على عديد من وسائل ضبط سلوك الأبناء، وتقويم أخطائهم، ومساعدتهم على مقاومة الأهواء والشهوات، مثل:

  • تذكير المتربي بالله تعالى وربط المصائب التي يتعرض لها بما يقع فيه من أخطاء وذنوب، «ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة»، إن ذلك يجعل الابن يكبر وقد ارتبط في ذهنه أن المعاصي سبب رئيس لجلب المصائب للإنسان، وأن الخلاص منها لا يكون إلا بالرجوع إلى الله تائبًا.
  • من واجبات المربي الاستفسار والسؤال عند رؤية الخطأ أو العلم به وعدم التراخي في التعليق واتخاذ رد الفعل المناسب.
  • عدم التحدث بخطأ الابن وهتك ستره أمام الآخرين، لا سيما إذا حاول أن يخفي خطأه، يقول الإمام الغزالي: «فإن إظهار ذلك عليه ربما يزيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، ولكن يعاقب سرًا ويعظم عنده أمر ما وقع».
  • من أول الحديث إلى آخره لم يتخلّ النبي ﷺ عن نداء الصحابي خوّات بن جبير- رضي الله عنه- بكنيته (أبا عبد الله)، بمعنى أنه لم يتخلّ عن خطابه باحترام رغم وقوعه في الخطأ، وهذا درس تربوي مهم، فمعاملة الابن باحترام في جميع الأحوال– حتى في حالة الوقوع في الخطأ- كفيلة بأن تحفظ على الابن احترامه وتقديره لنفسه ومن ثم إحساسه بالترفع عن الخطأ وعدم استمراء ملابسته له.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم