يرى الدكتور السيد عبد الحليم محمد حسين، فى هذه الدراسة، أن أول ما يهدف إليه الإسلام هو بناء «الإنسان الصالح» الجدير بأن يكون خليفة الله في الأرض، والذي كرمه الله أفضل تكريم، وخلقه في أحسن تقويم، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا، فهو إنسان اكتملت فيه خصائص الإنسانية، وهذا الإنسان الصالح هو أساس الأسرة الصالحة، والمجتمع الصالح، والأمة الصالحة.
إنسان إيمان وعقيدة
وإنسان الإسلام هو إنسان إيمان وعقيدة، قد اتضحت فكرته عن نفسه، وعن العالم من حوله وهو يؤمن أن له ربًا خلقه فسواه فعدله، وعلمه البيان، ومنحه العقل والإرادة، وأرسل إليه الرسل، وأنزل له الكتب، وأقام عليه الحجة، وعرفه الغاية والطريق.
إن هذا الإيمان هو أول ما يميز الإنسان المسلم، فهو مؤمن بعقيدة جوهرها التوحيد، ومعني التوحيد: أنه لا خالق إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله، فهو يعني توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، ولا يغني أحدهما عن الآخر، فقد كان مشركو العرب يؤمنون بأن الله هو وحده خالق السماوات والأرض، كما حكم عنهم القرآن: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (العنكبوت : 61).
التوحيد أساس الحرية
والإسلام جاء دعوة تحريرية كبرى، لتحرير الإنسان من كل عبودية لغير الله تعالى:
- من عبوديته للطبيعة، وللأشياء، في الأرض كانت أو في السماء.
- ومن عبوديته للحيوان، ومن عبوديته للشيطان.
- ومن عبوديته للإنسان، سواء كان ملكًا أو كاهنًا.
- من عبوديته لنفسه وهواه، فلا يعبد إلا الله، ولا يشرك به شيئًا.
إنسان نسك وعبادة
وإنسان الإسلام كذلك، إنسان نسك وعبادة:
- فهو يعلم أن الكون من حوله خُلق له.
- أما هو فخُلق لله وحده، وبهذا أدرك غاية حياته، وسر وجوده.
- فعبادة الله وحده لا شريك له، هي غاية غاياته، فلها خلق، ومن أجلها سخر له ما في السماوات وما في الأرض.
وتتمثل العبادة أول ما تتمثل في:
- إقامة الشعائر الكبرى التي فرضها الإسلام، وجعلها من أركانه العظام، من الصلاة والصيام والزكاة والحج.
- ثم ما يكملها من الذكر والدعاء وتلاوة القرآن، والتسبيح والتهليل والتكبير. قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} (آل عمران: 191).
إنسان خلق وفضيلة
لقد علمنا الإسلام أن الخلق والفضيلة من لوازم العقيدة، وتمام الإيمان، كما أنهما ثمرة لازمة للعبادة الحقة، وإذا لم تثمر العبادة في الخلق والسلوك دل ذلك على أنها عبادة مدخولة.
وقد ألف الإمام البيهقي كتابًا كبيرًا سماه (الجامع لشعب الإيمان) يشمل كل الفضائل وأعمال الخير التي دعا إليها الإسلام، واعتبرها كلها من شعب الإيمان، كما دل على ذلك الحديث.
وخلق المسلم لا يتجزأ، فهو ليس كخلق اليهودي الذي يحرم الربا في تعامله مع مثله، ويستحله في تعامله مع الآخرين، وليس كخلق إنسان الغرب الاستعماري الذي يتعامل داخل أوطانه بأخلاق وفضائل مثالية، فإذا تعامل مع البلاد الأخرى سرق وظلم، وطغى واستكبر.
المسلم يعدل مع من يحب ومن يكره، مع القريب الأقرب، ومع العدو الأبعد، قال تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (النساء : 135)، وقال جلا وعلا: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ} (المائدة : 8).
إنسان شريعة ومنهج
والمسلم– فضلًا عن التزامه بالخلق والفضيلة– هو ملتزم كذلك بمنهج رباني، بشريعة محكمة، مفروضة عليه من ربه، أحلت له الحلال، وحرمت عليه الحرام، وحددت له الواجبات، وبينت له الحقوق، وفصلت له كل ما يحتاج إليه:
ففي الأكل:
- لا يأكل الميتة ولا الدم ولا لحم الخنزير، ولا يأكل من اللحم إلا ما ذبح شرعيًا، أما ما لم يذبح أو ذبح على النصب أو أُهِلّ لغير الله به فلا يحل للمسلم أكله.
- ولا يأكل طعامًا غصب من صاحبه الشرعي، أو سرق أو أخذ بالباطل، كما لا يحل له أن يأكل طعام امرئ بغير طيب نفس.
- لا يحل للمسلم أن يتناول أي طعام أو أي مادة يضره تناولها: لأنه ليس ملك نفسه، والإضرار بنفسه حرام، لأنه قتل بطئ لها، والله تعالى يقول : {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء : 29).ومن هنا كان تناول (التبغ) وملحقاته، بعد أن ثبت ضرره علمًا وطبًا وواقعًا، حرامًا بلا شك، ومن باب أولى: لمخدرات التي هي بمنزلة السموم.
- المسلم لا يشرب الخمر، حفاظًا على عقله وجسمه وخلقه.
إنسان حياة
والمسلم في علاقاته الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية مقيد بأحكام الشريعة الإلهية، فهو يتزوج أو يطلق ويبيع ويشتري، ويستأجر ويؤجر ويكتسب وينفق، ويمتلك ويهب، ويرث ويورث، ويحكم ويحتكم، ويسالم ويحارب، وفقًا لأوامر الشريعة ونواهيها، واقتضائها.
.