تعتبر ظاهرة العنف الأسري من الظواهر القديمة الحديثة في المجتمعات الإنسانية، فهي أحيانًا مقبولة اجتماعيًا لدى بعض المجتمعات، وذلك لارتباطها ببعض العادات السائدة في المجتمع، وهذا ما حدث إبان مجتمع جزيرة العرب أي قبل بزوغ فجر الإسلام حينما كانت البنت توأد فور ولادتها قبل أن ترى نور الحياة قال تعالى: ﴿وَإِذَ الموءودة سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8-9].
وبشكل عام فإن العنف سلوك مرفوض في كل المجتمعات الإنسانية أينما كانت، لما يمثله من انعكاسات ضارة على كيان الأسرة والمجتمع.
وفى هذه الدراسة، يتناول الدكتور نوري محمد أحمد شقلابو- جامعة الزاوية، ليبيا- العنف الأسري بالبحث انطلاقًا من أهميته، إذ يمثل العنف بكل صوره ومظاهره أخطر الظواهر التي تهدد النواة الشرعية الأولى للمجتمع.
الأسباب المؤدية للعنف الأسري
فمن الأسباب ما يتعلق بالقائم بالعنف، ومنها ما يتعلق بالضحية الذي وقع عليها العنف.
- أسباب تتعلق بالقائم بالعنف :
وهي تلك الأسباب التي تنبع من ذات الإنسان، والتي تقوده نحو سلوك العنف، إذ توضح لنا الوقائع والدراسات أن الذين يتسببون في أفعال العنف داخل الأسرة هم أفراد عاديون، ومن عامة الناس، ولا ينتمون بالضرورة إلى فئة منحرفة أو مريضة نفسيًا.
لكن بعض الباحثين يقول إن نسبة عالية من المتسببين في أفعال العنف الأسري هم من الذين عندهم تاريخ مع الجريمة، فقد وجد أحد الباحثين وهو (Graford) أن 50% من الأزواج الذين يضربون زوجاتهم سبق لهم أن قضوا وقتًا في السجن.
وتعود الأسباب التي تؤدي إلى استخدام الشخص العنف ما يلي:
- التربية الخاطئة :وهي التنشئة التي يتلقاها الفرد في بيئته ومجتمعه وأسرته والتي تصور له فعل العنف وكأنه أمر طبيعي يحصل في كل بيت.
- العوامل النفسية :وهي تفريغ الانفعالات النفسية لدى الشخص القائم بسلوك العنف.
- المشكلات الاقتصادية :وهي المشكلات التي تحدث في محيط الأسرة والتي لا يطيقها الأب والتي تدفعه أحيانا إلى استخدام العنف إزاء أسرته.
- الانحرافات الأخلاقية :مثل شرب الخمور والمسكرات التي تؤجج وتزيد من الخلافات العائلية وتؤدي بالتالي إلى اللجوء للعنف.
- وسائل الإعلام المختلفة :كثيرًا ما تقدم أجهزة الإعلام مشاهد تشجع على العنف.
تساهم بعض الاعتقادات الخاطئة والتصرفات السيئة التي تقوم بها (الضحية) في تعرضها للعنف داخل الأسرة، ومن هذه الاعتقادات والتصرفات ما يلي:
- الثقافة الاجتماعية للفرد الذي يمارس ضده العنف والتي تتمثل في العادات والتقاليد.
- الاستهانة بالجاني ومحاولة التقليل من شأنه أمام الآخرين مما يدفعه إلى الانتقام.
- تمنع الزوجة عن زوجها حين يرغبها.
- رضا الضحية بالعنف الممارس ضدها وعدم محاولتها تغييره.
آثار العنف الأسري على المرأة والأبناء
تؤكد الدراسات على آثار غير صحية عديدة تظهر نتيجة العنف الممارس في الأسرة، فقد بين التقرير الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية في (24 نوفمبر2005) أن ظاهرة العنف الأسري تتسبب في آثار وخيمة منها:
الزوجة هي الضحية الأولى التي يقع عليها العنف، وأن الزوج هو المعتدي الأول على الزوجة، ثم يأتي بعدها في الترتيب الأبناء والبنات كضحايا إما للأب أو للأخ الأكبر أو العم.
وبالرغم من بعض أشكال العنف الأسري الموجه ضد المرأة فقد يترتب عليه آثارًا مادية جسدية على المرأة، إلا أن الآثار النفسية والاجتماعية هي أبلغ ضررًا. ومن الآثار الأخرى التي تلحق بالمرأة داخل أسرتها هو انخفاض قدرتها على مدى رعاية أطفالها والاهتمام بهم، بل يزيد احتمال ضربها لأطفالها، وقد تجنح أحيانًا إلى كراهيتهم لأن في شعورها الباطني هم من أجبروها على الاستمرار في تلك العلاقة الزوجية التي لا تحتمل.
من الدراسات التي تناولت آثار العنف على الأبناء ما قام به المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة والتي من أبرزها- الدراسة الأولى- والتي تتعلق بدراسة (ظاهرة العنف داخل الأسرة المصرية)، وتبين من خلال نتائجها أن الأطفال الذين يتعرضون لسلوك عنف سواء كان (ضربا، جرحا، إهمالا، قسوة في المعاملة) لا يزدهرون عاطفيا في المستقبل، وإذا أنجبوا فإنهم لا يعرفون كيف يستجيبون لاحتياجات أطفالهم العاطفية، وينتهي بهم الأمر أحيانا للإحباط، فيهاجمون أطفالهم أو يهملونهم.
أما الدراسة الثانية فقد وردت في كتاب الدكتور رجاء مكي، والدكتور سامي عجم، المعنون (إشكالية العنف) والذي ورد فيها ذكر آثار وعواقب إساءة معاملة الأطفال والتي تشمل: العواقب العصبية، والعقلية، والتربوية، والسلوكية والعاطفية. فقد ينتج عن الإساءة العاطفية سلوكيات انعزالية، أو عدائية، أو نشاط مفرط، ويرافق ذلك التبول اللاإرادي، نوبات الغضب، عدم احترام الذات، تأخر في الدراسة وحذر من الكبار، وينتج عن الإساءات الجسدية إعاقات دائمة نتيجة إصابات الرأس وارتفاع معدلات الانتحار والتفكير بها، أما الإساءة الجنسية، فينتج عنها توتر، خوف، قلق، غضب، سلوكيات جنسية غير مناسبة.
كيفية مواجهة الظاهرة
- محاولة رصد مظاهر وأشكال العنف الأسري، وإجراء المزيد من الدراسات والبحوث التي تهتم بقضايا ومشاكل الأسرة بالمجتمع.
- رعاية ضحايا العنف الأسري من خلال مؤسسات الرعاية الاجتماعية الرسمية والأهلية.
- نشر الوعي الديني من خلال وسائل الإعلام والمناهج الدراسية ومراكز التوجيه في المجتمع.
- إطلاق مشروعات مجتمعية توفر الخدمات الاجتماعية والمادية والمعنوية للأسر ذات الاحتياجات الخاصة، والتي يمكن أن تكون مصدرًا للعنف الأسري وانتشاره.
- العمل على زيادة الوعي الأسري بأهمية دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية الإيجابية، من خلال وضع خطط تنموية تعزز من دورها التنموي.
- النضج العاطفي والعقلي مهم جدًا للفرد عند الزواج لتكوين أسرة سعيدة بالمستقبل، وهذا لا يتأتى إلا من خلال التنشئة الاجتماعية للفرد المبنية على أسس سليمة من التربية والأخلاق.
.