إن من تأمل كتاب الله عز وجل وتدبر آياته البينات وجد موضوعها الأساس هو «توحيد الله عز وجل» والأمر بعبادته وحده، وذكر ما أعده الله عز وجل للموحدين من عباده من النعيم المقيم، وما أعده للمشركين أعداء توحيده من النكال والعذاب الأليم، وضمنه ما شرعه لعباده من الشرع الحكيم الذي يحققون به عبادة الله عز وجل واستسلامهم له وإسلامهم لحكمه.
وهذه هي حقيقة الإيمان وحقيقة الإسلام الذي هو دين الرسل جميعًا، لذا ففي هذه الدراسة التي أعدها الدكتور عبد العزيز بن ناصر الجليل، يرى أن التربية الإيمانية على محبة الله عز وجل وتعظيمه ورجائه والخوف منه والتسليم لأمره ونهيه وحبه لتأتي اليوم على رأس الأولويات والواجبات التي ينبغي للمربين أن يعتنوا بها، وذلك للأمور التالية:
الأمر الأول:
وجوب بيان معنى الإيمان والإسلام الحقيقي لله تعالى، المنجي من سخطه وعذابه، الذي بعث به الأنبياء والرسل وجعله الغاية من خلق الثقلين، وبيان أن هذه هي مواصفات القلب السليم المستسلم لربه سبحانه الراجي لرضوانه وبأن سلامة القلب ليست مجرد ما يفهمه كثير من الناس بأنه القلب السالم من الحقد والحسد والغل، حيث يقصرون وصفه على ذلك فحسب؛ بل هو أكبر وأشمل من هذا بكثير.
لذا فإن بيان هذا الأصل العظيم من أوجب الواجبات وأهم المهمات، فعليه يقوم بناء الدين وبه يتحقق الإيمان الذي يثمر سعادة الدنيا والآخرة، وإنه لمن أكبر المصائب على العبد أن يخرج من هذه الدنيا وهو جاهل بهذا الأصل العظيم لم يذق له طعمًا.
لذا فإن التربية على هذا الأصل وإشاعة فهمه في الأمة لمن أكبر أسباب تقوية الإيمان والانقياد لأوامر الله عز وجل والاستسلام له.
الأمر الثاني:
ما ظهر في زماننا اليوم من ثورة هائلة في وسائل الإعلام والتواصل والاتصالات واستخدام هذه الوسائل من قبل أعداء هذا الدين من كفار ومنافقين في بث الشهوات، وتسهيل الوصول إلى المحرمات، وإثارة الشبهات والشكوك والاعتراضات على ثوابت هذا الدين وأصوله وأحكامه، فتأسست من أجل ذلك مواقع إلكترونية وقنوات فضائية ودور نشر تمكر في الليل والنهار، فقست القلوب بذلك ووافقت عند بعض أبناء المسلمين قلوبًا خاوية من العلم والشرع والتقوى آلت ببعضهم إلى الحيرة والشك والعياذ بالله تعالى، فلا جرم كانت الحاجة بل الضرورة ماسة لرد الناس إلى الفهم الصحيح للإسلام والإيمان وتربيتهم عليه.
وهنا ينبغي التأكيد على أن رد الشبهات المثارة حول هذا الدين وأحكامه لا يكون بالوقوف عند الشبهة وردها مجردة وإنما يكون بالتربية الإيمانية، فإذا تمكن في القلوب الإيمان والتسليم الحق لله عز وجل وانقادت القلوب لبارئها وقوي يقينها بربها واستسلمت لأخباره فكلها صدق، ولأحكامه فكلها عدل وفضل ورحمة قال سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ (الأنعام: ٥١١).
فمتى اتصفت القلوب بهذا التسليم لم يكن للشبهات ولا الشهوات عليها طريق.
الأمر الثالث:
إن في طرح هذا الموضوع المهم ورد الناس إليه علاجًا لكثير من الأمراض القلبية والنفسية التي كثرت في الأزمنة المتأخرة، كالقلق والحيرة والاضطراب والاكتئاب، والتي يعود كثير منها إلى ضعف الإيمان والركون إلى الدنيا ونسيان الآخرة، ولا سبيل لعلاجها إلا بمعرفة الله عز وجل حق المعرفة، وتعظيمه وإجلاله والتعبد له سبحانه بأسمائه الحسنى، وبهذا التسليم والتفويض والتربية الإيمانية تحصل الراحة والسكينة والطمأنينة.
الأمر الرابع:
ظهور أقلام وأصوات لبعض المنافقين الذين يسمون أنفسهم بالليبراليين أو العلمانيين ومن تأثر بهم ممن يتسمى بالعصرانيين والتنويريين تدعو إلى فصل الدين عن الحياة، وتزعم أن نصوص الوحي لم تعد صالحة لإدارة شؤون الحياة المعاصرة إلا بقراءة جديدة ومتطورة، ويسمون من يدعو إلى التسليم للكتاب والسنة وتحكيمها في جميع شؤون الحياة بأصحاب الإسلام السياسي، ويكيلون لهم شتى التهم المنفرة كالمتطرفين والإرهابيين والأصوليين؛ فكان لا بد من التصدي لهذه الدعوات الخبيثة، وذلك بالتربية المكثفة علي الإيمان والتسليم لله تعالي ولشرعه حيث إن مثل هذه التربية تعد من أقوى ما تواجه به هذه الدعوات الخبيثة.
الأمر الخامس:
طغيان الحياة المادية والثورة الصناعية وطغيان العلوم التجريبية في حياة الناس مما كان له الأثر في إضعاف الإيمان بالغيب وغرور الإنسان بعقله والتركيز على الأمور المحسوسة ورد كل ما لا يدرك العقل كيفيته، فكان لا بد من تدارك هذا المرض ببيان مكانة العقل وحدوده ودوره في تلقي النصوص وأثر الإيمان والتسليم في علاج مثل هذه الأمراض.
الأمر السادس:
ما نشهده اليوم من انفتاح كبير على متاع الدنيا وزخرفها وزينتها، الذي لم يشهد له التاريخ مثيلًا، وما صاحب ذلك من وسائل دعائية ماكرة، تدعو الناس إلى بهجة الحياة الدنيا ومتاعها الزائل، وتلاحق الناس بكل جديد من وسائل الترف والمتعة والزينة، تدعو الناس إليها وتسهل الوصول إليها وترغب الناس فيها، والركون إليها، وأصبح الناس في لهث وراء الدنيا والتكاثر فيها، ومتابعة الجديد منها في كل صباح ومساء، حتى أصبحت عند كثير من الناس غاية يتنافسون فيها ويتحاسدون. وأصبحنا نرى جليًّا ذلك التفرق والتدابر الحاصل اليوم بين ذوي الأرحام والأشقاء، بل بين بعض الدعاة والمجاهدين والذي يمكن عزو كثير من أسبابه إلى هذه الدنيا، والتكاثر فيها، والغفلة عن الآخرة وضعف الإيمان واليقين والإخلاص، ولا علاج لذلك إلا بالتربية الإيمانية وإصلاح القلوب وإنشاء هم الأخرة في النفوس.
.