Business

قيم أفرزتها الهجرة

 تمثل الهجرة نقطة تحول في تاريخ البشرية، ففي المدينة المنورة قامت أول دولة إسلامية اكتملت بها عناصر الدولة، الشعب والأرض والسلطة، وقامت الدولة على دستور شمل كل حاجيات المجتمع المدني: الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية، وإقرار المواطنة، وبيان كيفية معاملة أهل الذمة.

والهجرة أفرزت دولة، لذا تعتبر إضافة إلى علم السياسة في عصرها، وكما أفرزت قيما أخرى أشار إليها الدكتور يوسف بابكر الشيخ يوسف - جامعة أم درمان الإسلامية، في دراسته، موضحًا القيم الإيمانية المستفادة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، المتمثلة في حرية العقيدة وتحرير إرادة الإنسان ونشر قيم الإيثار والمؤاخاة... الخ

 

قيمة الحرية

الحرية تمثل جانبا مهما في الفكر الإسلامي؛ فالحرية في الإسلام تمثل حرية العقيدة، وحرية الانتقال، وحرية التملك، وحرية التفكير، وحرية الاختيار: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.

فالرسول (صلى الله عليه وسلم) هاجر من مكة إلي المدينة طلبا لحرية الاعتقاد؛ فالثابت أنه لم يكن يفكر في مال ولا في ملك ولا في تجارة بل كان كل همه توفير الطمأنينة، وكفالة الحرية لأتباعه ولأن الحرية وحدها هي الكفيلة بانتصار الحق، وتقدم العالم نحو الكمال الإنساني، وكل حرب على الحرية هي تمكين للباطل.

فالأصل في الإنسانية الحرية، ولكن العوامل المؤثرة قد تجعل الإنسان غير ذلك، فالإسلام دين الحرية وقد سعى إليها بشتى الوسائل، والإسلام يزكيها وينميها في نفوس المسلمين.​​​​​​​

و قيمة الحرية، التي كانت الهجرة أحد أسباب ترسيخ لم تكن كتلك التي نادى بها فلاسفة اليونان وعباقرتهم الكبار أمثال سقراط، وأفلاطون وأرسطو الذين لم يشغلوا فكرهم بالحريات الدينية بقدر ما انشغلوا بالحديث عن حرية الأوطان، ولم يحرروا الضعفاء والنساء، والعبيد، من ظلم وسيطرة وجبروت أهل السيادة والسلطة، إذ هدفت الرسالة الإسلامية وفيها مشروع الهجرة إلى تحرير الأديان من الشرك والجهل والوصاية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

​​​​​​​الإيثار

والإيثار فضيلة وجدانية تترجم سلوكًا ساميًا، وهو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة فبما عند الله، وذلك ينشأ من قوة اليقين، وتأكيد المحبة لله ولرسوله، والصبر على المشقة، ويقال أثرته بكذا أي خصصته به، وفضلته، وضد الإيثار الأنانية والذاتية، ولقد سجل التاريخ بحروف مضيئة كيف استقبل صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأنصار المهاجرين الذين تركوا المال والولد فارين بدينهم، فكان الأنصار أهل إيثار ونجدة، ومروءة.

ولقد تجسدت هذه المعاني في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

والإيثار أهم النتائج الإيجابية لهجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقد برزت قيمته الإيثار عند وقت الحاجة إليها ابتغاء لرضوان الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) والشح ضد الإيثار ولقد ورد في حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن جابر (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم).

 

المؤاخاة

والنبي صلى الله عليه وسلم اتخذ من قيمة المؤاخاة مدخلا استراتيجيا لترابط المجتمع المدني، وبعد التآخي بين الأنصار، بين قبيلتي الأوس والخزرج، ثم التآخي بين المهاجرين أنفسهم، وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: هذا أخي. ثم آخي ما بين الأنصار، والمهاجرين لربط أعضاء المجتمع حتى يكونوا وحدة متماسكة، ولإزالة الغربة والواحدة، والوحشة من نفوس المهاجرين ولتوفير المناخ الاجتماعي الصالح لإدارة هذا المجتمع.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم