انتهت امتحانات الثانوية العامة، لكن ما زالت توابعها مستمرة مع بعض الأسر التي أقدم أبناؤها على الانتحار مع ظهور نتائج هذه الامتحانات، متخلصين بذلك من ضغط نفسي كبير كانوا يعيشونه سواء وسط أسرهم أو في أعين مجتمعهم، أو للحسرة على ضياع مجهودهم، أو لظلم وقع من جراء تصحيح أوراق امتحاناتهم، لكن المحصلة واحدة وهي ضياع نفس.
إن انتحار طلاب الثانوية العامة، شبح يطارد الأُسر المصرية في مثل هذا الوقت من كل عام خلال موسم الامتحانات وإعلان النتائج، مخاوف تنبع من تكرار حالات انتحار طلاب الثانوية العامة على مدار سنوات مضت، نتيجة الضغط النفسي والاجتماعي المرتبط بتلك الشهادة التي تعد الأكثر أهمية على الإطلاق في مصر، ويبدو أن محاولات تهدئة الطلاب وتغيير نظام الامتحانات لم تكن كافية للحد من ظاهرة انتحار طلاب الثانوية العامة.
الانتحار
الانتحار هو محاولة جادة لوضع نهاية لألم غير محتمل، وباب خلفي للهرب من ظروف ضاغطة، منقادين بروح من العجز وفقدان الأمل والحيل، فلا يمكننا فهم كيف يمكن لأحدهم إغفال وجود مباهج في الحياة جنبًا إلى جنب مع آلامها، وكيف يمكن تجاهل وجود فرصة في الغد لحياة أفضل، أو كيف يمكن أن تتعطل غريزة البقاء بالشكل الذي تستسلم فيه كلية للموت.
يقول الدكتور جمال فرويز- استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية: «إن الفئة العمرية من 12 إلى 25 سنة تعتبر في فترة المراهقة، ما يدفعهم على فعل بعض الأشياء الانفعالية، ففي هذه المرحلة إذا تعرض الطالب أو المراهق لأي ضغط لن يستطيع السيطرة على انفعالاته فيدخل في مرحلة تسمى تدهور سن المراهقة».
في هذه المرحلة أول شيء يفكر فيه المراهق الانتحار للهروب من الضغط ومن عقاب الأسرة أو شماتة الآخرين ونظراتهم، فإما يلقي بنفسه من أدوار عالية، أو يقتل نفسه بالرصاص، أو يشنق نفسه بحيث يتخلص من هذا الضغط، وإذا تم إنقاذه لا يكررها مرة أخرى شعورًا بالخزي مما فعله، ويصل الطالب إلى هذه المرحلة لعدم وجود تواصل بينه وبين الأسرة بسبب تهديدهم له وتعنيفهم مثلًا إذا رسب في الامتحان أو لم يذاكر جيدًا، فعندما يفكر في هذه الضغط ينتحر فورًا.
ويقول الدكتور طه أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية: «إن اللحظة التي يقدم فيها الطالب على الانتحار تعرف بالفوضى العاطفية، وهي حالة نفسية تنتج عن حزن وخوف مفرط ينتاب الطالب من صعوبة الامتحان أو نتيجته».
ويضيف: «الطالب يفعل ذلك ظنّا منه أن العالم قد انتهى بالنسبة له عند هذه اللحظة، لأن الطالب في هذه المرحلة ليس له أي اهتمامات أخرى تدفعه للحياة غير التعلم والحصول على أعلى الشهادات العلمية، ويعتقد أنه طالما فشل في التعلم سيفشل في حياته المستقبلية».
أسباب انتحار الطلاب
يقول وليد نادي- الباحث بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، ومدير الأكاديمية المصرية للتربية الخاصة: «إن ظاهرة انتحار طلاب الثانوية العامة ترجع إلى مجموعة من العوامل والأسباب المحددة بعينها، أهمها عوامل اجتماعية ونفسية، منها:
- ضعف الوازع الديني، وقلة الثقافة الدينية.
- الخلافات والمشكلات والنزاعات داخل الأسرة.
- بعض الأمراض والاضطرابات النفسية التي يُصاب بها بعض الطلاب، كالاكتئاب والوسواس القهري.
- وضع توقعات مبالغ فيها على الأبناء قد لا تتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم.
- الترقب والتوتر والخوف من رد فعل الآباء.
- أسلوب خاطئ في التقويم، والتربية، والحث على المذاكرة.
- العقاب البدني والتعذيب والعنف في تربية الأبناء.
- شعور الطلاب بأن مرحلة الثانوية العامة هي مسألة حياة أو موت وأنها نهاية المطاف.
وعلى الصعيد نفسه، يستنكر محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، بشدة فكرة تقسيم الكليات لطلاب الثانوية العامة لكليات قمة وكليات قاع، مؤكدا أن هذه التفرقة تعد تفرقة عنصرية ساهمت بشكل كبير في تكرار ظاهرة انتحار طلاب الثانوية العامة، إذ يرى الطالب أن عدم دخوله كلية القمة هو الفشل الذريع في الحياة.
وبدورها ترى بثينة عبدالرؤوف- الخبيرة التربوية- أن ظاهرة انتحار طلاب الثانوية العامة لم تحدث إلا في مصر فقط، خلاف بقية دول العالم التي تنتهي من مرحلة الثانوية دون أي أزمات، مؤكدة أن هذا يرجع لوجود خطأ في الفكر المجتمعي تجاه العملية التعليمية.
ووفقًا للدكتور حسن شحاتة، أستاذ تطوير المناهج، في نظام التعليم الذي يجعل نتائج سنة دراسية واحدة محددة مستقبل الطالب، بدل أخذ أدائه على مدى سنوات تعلّمه في الاعتبار. فيحكم عليه من خلال درجاته ويصبح هدفه الوحيد تحصيل أرقام لدخول الكلية التي يريد، ما يجعل الشعور بالإحباط الشديد والرغبة في الانتحار طبيعيين أمام الفشل في تخطي الامتحان.
وأرجع الدكتور كمال مغيث- الخبير التربوي- أسباب لجوء الطلاب إلى الانتحار فقدانهم إحساس الأمان نحو المستقبل، وعدم اكتمال نمو شخصيتهم بالشكل الكافي، كَون هؤلاء الطلاب فى مرحلة المراهقة، ما يجعلهم أكثر عرضة لهذا الإحساس؛ لأن الشخصية الهشة تجعل الطالب الضعيف يفكر فى الهروب عند أول اختبار حقيقي له.
وأوضح مغيث أن النظام التعليمي المصري له دور كبير أيضا فى انتحار الطلاب لأنه يتسبب فى وجود ضغوط نفسية كبيرة على الطلاب، وغير جاذب لهم، ويُكرس مبدأ أن المجموع هو كل شيء وأن عدم الحصول على مجموع كبير يعنى ضياع مستقبلهم، ناهيك عن خوف الطالب من ردة فعل الأسرة تجاهه فى حال الإخفاق فى الثانوية العامة: «إحنا صرفنا عليك فلوس كتير على الدروس، ومش لاقيين ناكل بسببك».
خطوة نحو العلاج
يوصي علماء النفس باتباع عدة نصائح لتجنب التفكير في الانتحار، ومن ثَمّ القضاء على ظاهرة انتحار طلاب الثانوية العامة، ومنها:-
- إعلاء الوازع الديني والتربوي وربط واقع الحياة ومجرياته بالله سبحانه، وأنه هو المقدر كل شيء وما علينا إلا الأخذ بالأسباب.
- اطلب من ابنك أو ابنتك أن يتحدث حول مشاعره واستمع إليه جيدًا.
- شجعهم على نمط حياة صحي كممارسة التمارين الرياضية والحصول على قسط كافٍ من النوم بصورة منتظمة.
- التواصل الدائم بين الأسر وأولادهم، وبخاصة خلال فترة ما قبل الامتحانات مباشرة، والتحفيز الدائم لهم.
- محاولة الأسر رسم الطموح على مقدرة إمكانية أبنائهم.
- تحفيف الآباء والأمهات الضغط النفسي على أبنائهم، وعدم ترهيبهم بالعقاب الشديد حال فشلهم في الامتحانات.
- لا بد من وضع نظم أخرى للطلاب لتحصيل الدرجات بخلاف الدراسة والحفظ عامًا كاملًا، ثم امتحان مدته ساعتين أو ثلاثة.
- وتقترح بثينة عبدالرؤوف وضع شروط أخرى للالتحاق بالكليات تعتمد على ميول ومهارات الطالب وليس فقط درجاته.
.