Business

الثانوية العامة.. مأساة كل عام

تعد امتحانات الثانوية العامة فترة صعبة بالنسبة لأولياء الأمور وللطلبة وللمجتمع كافة، إذ تمر على عدد كبير من أولياء الأمور كالكابوس، وسط معاناة لا تنتهى حتى مع انتهاء ماراثون امتحانات الثانوية العامة.

ساعات من الترقب والقلق يعيشها أولياء أمور طلاب الثانوية العامة، أمام لجان الامتحانات بين الدعاء والرجاء وقراءة القرآن؛ أملًا في الاطمئنان على أبنائهم بعد كل امتحان.

وساعات من الترقب قبل ومع إعلان النتيجة، والتي تظهر الحالة العامة كأننا مقبلون على حالة حرب مع عدو، أو كأننا مقبلون على يوم القيامة.

وفي دراسة أعدها الباحث محمد ثابت، تحت عنوان: «الشهادة الثانوية مختصر سنوي للمأساة المصرية»، رصد فيها معاناة الشعب المصري مع كينونة الثانوية العامة والأزهرية، والتي تمر في معظم دول العالم كمرحلة عادية، غير أنها في مصر خاصة تنصب لها الأقلام، وترفع فيها حالة الطوارئ، ويعيش المجتمع أزمة حقيقة.

حاول الباحث إظهار حقيقة هذه المأساة المتمثلة في قلوب ونفوس الأسر والطلاب بمصر، حيث يقول:

«تمثل الثانوية المصرية، بشقيها العام والأزهري، ملخصًا بائسًا للحال المأساوي لمصر، وهو الملخص الذي يزداد مع مر السنين تراكمًا وتراجعًا، كما كل مكونات الحياة في المحروسة اليوم. ويلاحظ المُتابع لنتائج الثانويتين المُعلنتين للعام الحالي- قبل أيام- ارتفاع المجاميع التي حصل عليها الطلاب والطالبات على مستوى مصر كلها، وأن نسبة ليست قليلة منهم تعدت 90%. وهذه النسبة العالية من الدرجات لا توحي بالخير في مصر، على النقيض تمامًا مما يمكن أن تدل عليه في دول العالم المتقدمة، فعندما يتجاوز 14 طالبًا وطالبة 90% في قرية واحدة من مصر الوسطى (صندفا التابعة لمدينة بني مزار في محافظة المنيا)، وهي من مئات القرى المصرية، تراوحت نسب الطلبة والطالبات المتفوقات بين 99.51% لأعلى طالبة، و93.21 لأدنى طالب منهم؛ وليس مأمولًا أن يؤثر ذلك في واقع الحياة، فإن خللًا كبيرًا يعانيه المصريون اليوم.

أما دلالة حصول آلاف الطلاب والطالبات على نسبة تقارب المائة في المائة فأزمة مباشرة، تنقسم كمًا وكيفًا بشكل مباشر، أما من ناحية الكيف، أو الجودة التعليمية، فلا تعبر الدرجات المرتفعة في امتحانات الثانوية العامة عن جودةٍ نوعية في تلقي المواد التعليمية النظرية المصرية في الغالب الأعم، بل تعبر عن قدرةٍ على حفظ المناهج في الغالب، أو مزيج الحفظ مع الفهم على أقصى تقدير.

 

تفوق شكلي

«تبقى الثانوية؛ عامة وأزهرية، ملخصة لحال مصر ومستوى المعيشة والحياة».. من علمي وأدبي، فقد تم تفريغ هذا التفوق، عبر عشرات السنوات، من محتواه؛ لا استثماره في تطوير نوعي للمواد التي يتعلمها الطلاب والطالبات، وتنوعها بين الإبداعية والتفاعلية والعملية، مع وجود النظرية في حيز معقول. وتتبلور المأساة في أن جودة التعليم المصري، كمًا وكيفًا، تراجعتْ لتقتصر فحسب على مجرد حفظ مواد نظرية، أو فهمها أو استرجاعها، وحتى الجانب العملي منها يعرف الطالب كيف يصفه نظريًا، فمعامل الكيمياء في المدارس الثانوية المصرية، في طول البلاد وعرضها، إما مغلقة أو غير مزودة بالإمكانات المطلوبة، وفي جميع الأحوال لا يمكنها استقبال مئات الطلاب، إن لم يكن أكثر في كل مدرسة لضيقها وتآكلها وفرط قدمها. ومع الوقت، صارت في مصر نماذج متكررة لمآس متراكمة، فما يخص المعامل يخص الملاعب يخص الحدائق والمساجد، والنتيجة إطار نظري مكثف من مواد جافة حيال الحياة العملية وقسوتها في بلد يراوح موقعه من العالم الثالث.

أما الارتفاع التصاعدي للمجاميع الذي وصل إلى أقصاه هذا العام، ومن المرجح أن يزداد مستقبلًا، فالأمر يشبه إلى حد كبير ارتفاع الأسعار علوًا في الأرقام الموجودة مع المواطن، وارتفاعًا أكثر في قيمة السلع.. مع عدم جودة محتواها، وإلا فمن المنتظر أن يرتفع القبول في كليات الطب في جامعات الأزهر ليتجاوز 93%، فيما تعلو كليات طب الأسنان هذا العام لتتجاوز نسبة 95.8%، أما الهندسة فمن المتوقع تجاوزها 91.38%، والنسب المذكورة كلها تعود للعام الماضي، حيث كانت المجاميع ونسبها أقل نسبيًا! أما التعليم العام فسيشهد نقلة أخرى في الدرجات رهيبة، تتجاوز المعقول والمنطقي، إذ يتوقع أن يكون الالتحاق بكليات الطب بدءا من 98% أو أكثر، وطب الأسنان أقل بنسبة بسيطة، والصيدلة بدءا من 96.8%، والهندسة في قسم العلمي رياضة من 92.2، وهكذا سيتم غلق كل الكليات المذكورة في المرحلة الأولى من التنسيق، لعدم توفر أماكن شاغرة فيها، ولن يستطيع طالب حاصل على 96% في القسم العلمي العام الالتحاق بأيٍّ من كليات الطب المتاحة في طول البلاد وعرضها، أو حتى بكلية الصيدلة. وكذلك لن يستطيع طالب حاز 92% هذا العام من قسم علمي رياضة عام الالتحاق بكلية الهندسة!

ومع الارتفاع المُبالغ فيه في مجاميع طلاب الثانوية في مصر، يبقى المنطق قصيًا موغلًا في البعد عن الفهم، حيث إن تصنيف الجامعات QS البريطاني لعام 2020، بحسب صحيفة اليوم السابع، حازت فيه جامعة القاهرة على المركز بين 521 و530، فيما حازت جامعات عين شمس والإسكندرية والأزهر على تصنيف من 801 حتى 1000 ! إذ لا يوجد جامعة واحدة مصرية عامة ضمن أفضل 500 جامعة على مستوى العالم.

أما ارتباط الخريج المُفترض أنه بالغ التفوق، بحسب مقاييس التعليم المصري، بالحياة المعيشية فأكثر مرارة، إذ يتقاضى الطبيب، بعد عمر في التعليم، نحو 1800 جنيه مصري، أو قرابة 110 دولارات في عمله الحكومي، وبمقارنة المبلغ بما يتقاضاه المعلم أو المهندس صار الواقع أكثر مرارة، وبمقارنة هذا كله بالمبلغ المطلوب لمواكبة الحياة والأسعار وزيادتها صار الأمر مأساويًا إلى أبعد مدى... وهكذا تبقى الثانوية، عامة وأزهرية، ملخصة لحال مصر ومستوى المعيشة والحياة غير المتفقين لا مع المنطق أو المعيشة أو الحياة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم