Business

لماذا يتصادم الآباء مع الأبناء؟

بلهفة بالغة وشوق عظيم، يرقب الزوجان وصول المولود الأول، لكن ما إن يخرج صاحب الجلالة إلى الوجود حتى تتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق! فالصغير المنتظر «شيطان مصور» يعيث في البيت فسادا، ويملأ الدنيا ضجيجا وعويلا، ويسلب والديه راحة البال! كيف تتحول نعمة الذرية إلى نقمة على الآباء؟! هل صحيح أن الصغار "عفاريت"؟ أم أن الآباء ليسوا ملائكة؟! كيف تتحول رابطة الأبوة والبنوة إلى صراع يذهب ضحيته الطرفان؟!

وفي هذه الدراسة، يرصد الباحث د. عبد الرحمن النمر، كيف أن طب الأطفال النفسي ينظر إلى هذه المشكلة الخطيرة الشائعة بعين الجد والاهتمام، لمعرفة أسبابها ووضع أسس العلاج لها.. وعلى هذه السطور نمضي مع طب الأطفال النفسي لنرى ماذا يقول في هذه المشكلة.

 

ميلاد الصراع

حين يتوقع الوالدان وصول المولود الأول، تكبر أحلامهما وأمانيهما حول الوليد، وينسجان خيوط مستقبله، ويرسمان نهج حياته من قبل حتى أن يخرج الصغير إلى نور الحياة! فإذا جاء المولود ذكرا، فيجب إعداده للتاج والعرس، وإذا جاء المولود أنثى، فيجب إعدادها لتكون "ولّادة بنت المستكفي" لزمانها.

ولا ضير على الوالدين في التمادي في الأحلام، فتلك فطرة طبيعية تحفز الآباء على حسن السهر على الأبناء، ولكن آفة أحلام الإنسان إذا تمادى فيها أنها تصبغ سلوكه وتهيمن عليه، بحيث تؤدي كثيرا إلى الصدام مع الواقع، فما إن ينمو الصغير ويصل إلى الشهر الثامن عشر من عمره، حين يبدأ في الحركة النشيطة وتعلم الكلام، حتى تنهال عليه الأوامر من كل جذب وصوب، وفي كل وقت وحين.

فالصغير المسكين الذي بدأ لتوه يدب على الأرض بعد أن كان يحبو عليها، والذي بدأ مستعينا بقدرته على الحركة – في استكشاف بيئته بجميع حواسه، بعد أن كان يستكشفها بسمعه وبصره، يفاجأ بالمحظورات والممنوعات! لا تقترب من كذا... لا تلمس كذا.. لا تفعل كذا... إلى آخر قائمة الممنوعات.

فإذا كبر الطفل شهورا أخرى، وزادت قدرته على الحركة والكلام زادت قائمة الممنوعات والمحظورات، إذ لا يليق بطفل يقوم والداه بإعداده للتاج والعرس أن يسقط الطعام من فمه، أو أن يصبح وهو جالس على المائدة، أو أن ينثر الطعام من صفحته على ثيابه! ولا يليق بطفلة يجري إعدادها لأن تكون "ولادة" زمانها، أن تضحك على رأس جدها الصلعاء، أو أن تقذف دمية لا تعجبها وقد أهديت إليها في التو، ولا أن تعبث بشارب أبيها وهو يحملها ليداعبها.

بتعبير آخر فإن الوالدين يعاملان الصغير كبالغ عاقل مكتمل النضج، ويطلبان منه التصرف على النحو اللائق بالشخصية التي صنعاها له من أحلامهما، ومن هنا يولد الصراع، وهو صراع ناشئ من صدام التوقعات مع الواقع، فمن المخطئ ومن المصيب؟

قليل من الآباء من يذكر كيف كان "عفريتا" في طفولته! وأقل من هؤلاء من يسمح لصغاره بتقمص الدور الشيطاني الذي لعبه مئات المرات في سني حياته الأولى، والغالبية من الآباء تتوقع من الصغار التصرف بحكمة الكبار ورزانة الشيوخ ونبل الأمراء! وغني عن الذكر أن توقعات الآباء في هذه الحالة في غير محلها، ولا يمكن اعتبارها توقعات معقولة بأي مقياس من المقاييس.

لذا تأتي الخطوة الأولى لحل صراع الآباء والأبناء من الوالدين، وذلك بإدراك معنى الطفولة والنزول إلى مفهومها الواقعي، وليس بمطالبة الصغار بالارتفاع إلى مستوى أحلام وأماني آبائهم، وهذه النظرة الواقعية إلى عالم الصغار كفيلة بتغيير الموقف تغييرا جذريا، فالصغير نبتة نامية، من حقها استكشاف بيئتها والعالم من حولها، في حرية فطرية لا تعرف قيود الكبار، ثم إن الصغير كائن برئ لا يتقن التمثيل بعد، ولا يجيد فن ارتداء الأقنعة، لذلك لا يجب أن تفرض عليه قيود "التمثيل الاجتماعي" التي يتقنها الكبار ويسمونها "إتيكيت"، وإنما يجب أن تترك له حرية التعبير البريء مطلقة من كل قيد.

​​​​​​​

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم