طلابنا في الثانوية العامة.. لا تجعل المجموع يؤثر عليك

ظهرت نتيجة الثانوية العامة، وظهرت معها حالات الحزن والألم في كل أسرة، حيث تبدأ بعدها رحلة من العذاب والتيه في دروب الكليات والجامعات، ومحاولة اللهاث خلف ما يسمى كليات القمة، متناسين احتياجات سوق العمل الفعلي.

وفي هذا الحالة والتعبير عنها كتبت زينب عبد اللاه تحليلًا لواقع مرير تعيشه جمع الأسر المصرية، مع ظهور نتائج الثانوية العامة حيث كتب تقول:

«مع ظهور نتيجة الثانوية العامة يستمر مسلسل الضغط النفسي وحالة اللهاث وقطع الأنفاس التي تعيشها كل أسرة لديها طالب أو طالبة فى الثانوية العامة، رحلة طويلة من العذاب والتعذيب تعيشها الأسرة، وحالة طوارئ كئيبة تراها مفروضة عليها فتفرضها على الطالب الضحية.

سنة كبيسة ومرحلة كئيبة يعيشها كل الطلاب وأسرهم، بصرف النظر عن مدى تفوقهم واجتهادهم، إنهاك مادي ونفسي للأسرة التي ترى أن هذه السنة تحدد مصير ابنها ومستقبله، فتحرم نفسها من الضروريات لتوفر نفقات الدروس الخصوصية، وتعلن حالة الطوارئ فى المنزل حتى انتهاء هذه المرحلة، بينما يعيش الطلاب حالة من التوتر النفسي والاكتئاب قبل وبعد وصولهم إلى هذه المرحلة، التي يعيشون فيها فى كنف بعبع الثانوية العامة، بدءًا من إرهاق الدروس والمناهج، مرورًا بالامتحانات وما يعانيه معظم الطلاب من هزات نفسية تصل إلى حد إصابة بعضهم بالأمراض النفسية والعضوية، أو انتحار البعض بعد وصولهم إلى أقصى درجات الضعف والانهيار.

ويستمر هذا المسلسل الكئيب ليصل إلى ذروته مع إعلان النتيجة.. حالة من الحزن والحيرة تصيب أغلب الطلاب وأسرهم، يتساوى فى ذلك طلاب حصلوا على مجموع 95 %   وآخرين حصلوا على مجاميع أقل، بدءًا من 50 % وحتى 90 % .

تشعر أن الكل غير راضٍ عن المجموع، فالطلاب المتفوقون الذين حصلوا على درجات عالية تصيب أغلبهم حالة حزن لأنهم قد لا يصلون إلى كليات القمة التي ينشدونها، وتحلم بها أسرهم، وتحملت من أجلها ما يفوق طاقتها، يشعرون كمن رقص على السلم، ويضطرون للاختيار بين رغبات قد تبتعد عن رغباتهم الحقيقية، فقط ليتناسب ما يختارونه مع مجموعهم، وقد تضطر أسرهم إلى الاستمرار فى فرض حالة الضغط على نفسها وعلى الطالب الضحية وتفضل أن يلتحق ابنها بإحدى كليات القمة فى الجامعات الخاصة، بينما يبحث الطلاب ذوى المجموع الضعيف على مكان يقبل مجموعهم (والسلام)،  أو تحاول الأسرة أن تلحقه بإحدى الجامعات أو المعاهد الخاصة.

يجري الجميع ويلهث وراء أوهام وأصنام صنعناها ولا زلنا نطوف حولها، وأكبر هذه الأوهام كليات القمة، التي لا زلنا نعبدها كما عبدها آباؤنا الأولون، رغم أن سوق العمل اختلف، ورغم أن الكثيرين من خريجيها لا يزالون عاطلين لا يجدون عملًا يناسب مؤهلاتهم، ومنهم خريجي طب وهندسة وإعلام وصيدلة وسياسة واقتصاد.

بينما يمتلئ سوق العمل بنماذج ناجحة لم يكن لها نصيب كبير فى حصد درجات عالية فى الثانوية العامة، وبعضهم لم يكن لمؤهلاتهم علاقة بالمهن التي عملوا فيها.

خريجو كليات آداب وتجارة وجدوا فى أنفسهم مواهب فنية فحصلوا على دورات تدريبية فى فنون الجرافيك أو التصوير أو المونتاج، واختاروا هذه المهن ليعملوا فيها وحققوا فيها نجاحات ومنهم من أسس مشروعًا خاصًا، وكثيرون نموا قدراتهم فى البرمجيات، وتفوقوا وحصلوا على وظائف جيدة لا ترتبط بمؤهلاتهم.

بينما أصبحت كليات أخرى لا تصنف ضمن كليات القمة تتيح لخريجيها مجالات عمل أوسع ومنها كليات الزراعة، ومعاهد البصريات.

الكثير من الشباب حققوا نجاحات فى مشروعات صغيرة وفى مجالات اكتشفوا مواهبهم فيها قد تبتعد عن مؤهلاتهم، أو اختاروا كليات ومعاهد لا تنتمى لأصنام كليات القمة وطوروا أنفسهم فيها فحققوا التفوق والنجاح فى سوق العمل.

عزيزي طالب الثانوية العامة: لا تنظر فى اتجاه واحد، ولا تضع عينك على كليات القمة فقط، وتعتبر أنك خسرت إذا لم تلتحق بها، لا تشعر بالقهر إذا لم تحصل على مجموع كبير، فنجاحك فى الحياة والعمل لن يتحقق به، بل بأمور أخرى لا علاقة لها بالمجموع.

 نجاحك فى أن تفتش داخل ذاتك وأن تكتشف رغباتك ومواهبك وقدراتك، وأن تطورها وتنمي نفسك فيها، انظر حولك وستجد مئات النماذج حققوا النجاح والتفوق المادي والمعنوي دون أن يكونوا ممن حصدوا أعلى الدرجات فى الثانوية العامة.

وعزيزي ولى الأمر: تحرر من عبودية أصنام نسميها كليات القمة، ولا تقهر أبنائك وتجبرهم على الدوران فى ساقية المجموع والوجاهة الاجتماعية للكلية التي تريد أن يلتحقوا بها، حررهم من قهر الثانوية العامة ودرجاتها، ودعهم يفتشون عن مواهبهم ويعبرون عن رغباتهم ويحققونها، لا تسفه من اختياراتهم ولا تجبرهم على دراسة ما تحبه أنت، لا تخطئ فى حقهم وحق نفسك ولا ترسم لهم المستقبل بمعايير الماضي، لأنك حينها ستفشل ويفشلون، دعهم يدرسون ما يحبون، فحينها فقط ستنجح وينجحون.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم