تعودت في خطبي على المقابر في رثاء إخواني أن أذكّر المشيعين أنه سبحانه قضى أن لا فوت إلا الموت، حتى أكرم رسله وأشرف أنبيائه محمد ﷺ؛ إِذْ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ}، وأنت يا أخي محمد نفسٌ؛ فحق عليك كأس المنية.
تعودت أن أذكّر الناس بحديث البراء بن عازب الذي يتحدث فيه المعصوم عن زفة المؤمن إلى آخرته حين تنزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ بصره، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه فيقول: «أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب غير غضبان»، ترى يا حبيبي محمد مرسي كم كان عدد الملائكة التي شيعتك، ترى هل ألبسوك بأيديهم كفنك من الجنة، ترى هل لامست أيديهم بدنك الطاهر، هل شعرت ببرودة لمستهم ورقتها على بدنك، كيف كانت لذتك بترنيمتهم، هل راقت لمسمعك كما كان يروق لك ترتيل الكتاب الكريم؟
يا حافظ القرآن: كيف كان الحوار الأول حين كُشف عنك غطاؤك حين صار بصرك حديد، هلا نقلت لنا يا سيدي ما قالته لك الملائكة، رُب مجلس خير أحضرتنا، رُب كلمة حق أسمعتنا! هل سجلوا لك كلمات التثبيت التي كنت تبثها فينا ترى، هل أسمعوك هتاف (لبيك يا سوريا) كما قلتها في دنيا القاعدين؟
احك لي يا وليّ الله كيف رأيت عملك الصالح إذ يصوره الله لك في صورة بشر، كيف كان يبدو، كيف بياض وجهه، كيف بشّرك يا سيدي؟ قُص علينا من قصصك، أستحلفك بربك أن تأتي لنا في مناماتنا ورؤانا لتقص لنا أنباء هذا البرزخ.
تُرى يا سيدي كيف كان خروج روحك الطاهرة، هل سالت من جسدك الذي سجنه أعداؤك كما يسيل القطرة من في السقاء، لعلك سيدي لم تبتئس بما فعلوه بجسدك، قد يفرحوا بإهانته ولا أدري ماذا فعلوا به، فهم يا سيدي لم يدعوا بابًا من أبواب الفُجر إلا واقتحموه، لعل هؤلاء الأطفال لم يتحملوا مشهد الجلال الذي هالهم عند خروج روحك، لعلهم لم يطيقوا النظر إليه، بل لعلهم استعجلوا موتك، أعلم أن جسدك ذهب مع من ادعوا أنهم يسعفونك بدون واقٍ للرصاص، فقد أبت رجولتك أن تلبسه وأنت في قصر الرئاسة، وفي كل مراسمك الرئاسية، فكيف تلبسه وأنت ترقى للسماء؟
كل ذلك تراه الآن وتشهده روحك الطاهرة، وتهزأ بسذاجتهم إذ لم يدرِ البلهاء أنك الآن حر طليق، تنعم بالنظر إلى أهلك وزوج وأبنائك، لعلك قد أسررت إلى ابنك أحمد- أمس- أنك راحل، فكتب هذا الدعاء العجيب (أن يراك في الجنة)، سيدي أعلم أنك لن تحزن إن ظل البدن تحت حبسهم وسلطانهم الغبي، أعلم يا سيدي أنهم ربما صنعوا بك ما صنعوه بمرشدك البنا، حتى نسائك يا سيدي لن يسمح لهم أن يروا بدنك، أن يلقوا عليه نظرة أخيرة، أن يحضروا غسله أو تكفينه، أعلم أنك ستبتسم من علٍ؛ لأن فكرتك قد نجحت وانتصرت، كما انتصرت فكرة غلام الأخدود، سيقول الناس: «آمنا بالله رب مرسي».
سيدي يا ولي الله لماذا أخفيت عنا ولايتك وسرك؟ ليتك ذكرت لنا ماذا تفعل في أورادك وخبيئتك التي بينك وبين ربك.
تعودت أن أحدِّث المشيعين بكلام ابن القيم، أن هناك مشاهد في الموت من توحيد الله يجب على العبد استحضارها، ومن مشهد الحكمة وأن الله هو الحكيم، وأن هناك حكمة من كل مصيبة؛ فهل موتك في هذا اليوم يوم توليتك لتقول لنا كما قال نوح: «وجدت الولاية كدارٍ له بابان، دخلت من أحدهما، وخرجت من الآخر»، أم لتقول لنا: «إن موتك استمرار لولايتك علينا، لا زالت بيعتي لك يا رئيسي في رقبتي حيًّا أو ميتًا».
تعودت أن أذكّر المشيعين بوحشة القبور، ترى أين سيكون قبرك، هل سيحيطون قبرك بالزجاج كما أحاطوا قفص اتهامك؟ يا سيدي لقد أوقعت مبغضيك في حيرة، فأي مكان ستكون فيه سيكون مزارًا للأحرار، سيحاول الظلمة أن يحيطوه كما أحاطوا ميدان التحرير، سيحرمون الاقتراب منه ولكن روحك ستقهرهم، ستخلد كلماتك لتكون أيقونة الثورة الجديدة، التي ستبدأ في ذكرى توليك وذكرى استشهادك.
هل كنت قد شيدت لنفسك قبرًا يليق بمقام رئيس، أم أنك نسيت في غمرة انشغالك بما افتعلوه في عصرك من أزمات؟ أظنك لم تفعل فأنت يا سيدي حتى مماتك لم يكن لك من دنياهم إلا شقة مستأجرة.
ترى من سيقبض معاشك، أم أنك تنازلت عنه مقدمًا كما تنازلت عن راتبك؟
تعودت أن أدعو للميت والمشيعين يؤمنون، فكيف أدعو لك يا سيدي وأنت في مقام في الحياة أعلى مني مقامًا وهل يدعو الميت للحي.
سيدي رضي الله عنك كما ترضيت على الصحابة في عقر دار من سبوهم، ولم يحفظوا لهم حرمة.
هلا أمنت على دعائي يا سيدي محمد مرسي، واسمح لي ألا أدعوك بالرئيس، فالدار التي انتقلت إليها ليس فيها هذه الألقاب.
اللهم اكشف لنا سر ما كان بينك وبين عبدك محمد مرسي؛ حتى نبادر إلى التشبه بما كان يفعل، أستحلفك بالله يا سيدي مرسي إلا أمنت على دعائي:
اللهم اجعل يوم موته يقظةً لقلوبنا؟
وتحريرًا لنفوسنا من أدران المادة والأثقال إلى الأرض؟
اللهم اجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لك؟
واستعملنا يا رب لنصرة دينك كما استعملته في سبيلك؟
.