Business

زكاة الفطر.. الفريضة التائهة والهمة العالية

الزكاة هي إحدى الفرائض الخمس التي بنيت عليها قواعد الإسلام بعد الشهادتين، وإقامة الصلاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، كما أنها الفريضة– زكاة الفط- التي تأتي مصحوبة مع فريضة أخرى وهي صيام شهر رمضان– هذا غير زكاة المال والزروع وغيرها- ولذا ينشغل عنها الناس وسط الأحداث الصاخبة في رمضان، واهتمام البعض بالعبادة والاجتهاد فيها خاصة في العشر الأواخر من الشهر الكريم، وهي ما تحتاج لهمة عالية في استشعارها كفريضة والاجتهاد في إيصالها لمن يستحقها والعمل على إدخال السرور على جميع القلوب والنفوس الفقيرة والمحتاجة.

وتحتل الزكاة مرتبة خاصة في الإسلام؛ إذ إنها الفريضة المالية الوحيدة في الإسلام، فقد حوت جميع الجوانب الروحانية: كالصلاة، والصيام، والحج؛ والأعمال القولية: كقراءة القرآن، والذكر؛ والأعمال البدنية: كالصلاة، والحج كذلك؛ والعلاقات الدولية: كالعهود، والمواثيق، والسلم، والحرب، وأحكام المستأمنين، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالسياسة الشرعية. وقد مثلت الزكاة بشكلٍ رئيس الأمور المالية، لذلك اعتنى بها الشارع الحكيم عناية خاصة وأولاها أهمية ومكانة متميزة.

والزكاة التي تأتى في جزء محبب إلى الإنسان، ويدفعه إلى البخل به، وهو المال تحتاج لهمة عالية، وبصيرة بحقيقة المال الذي وهبها الله للإنسان وطبيعة التعامل معه، ككون الزكاة شكر لله على ما أعطى الانسان من نعم، وتطهير للقلب مما يحمله من شح وبخل، وجبر للصيام الذي ربما أصابه غبن، وفرحة للمساكين الذي ينتظرون أن يعولهم أحد خاصة الذين يتعففون أن يسألوا الناس، فمنذ فجر الإسلام بمكة كانت رعاية الفقراء والمساكين موضع عناية بالغة واهتمام مستمر من القرآن الكريم فجعل إطعام المسكين والحض على رعايتهم من لوازم الإيمان، كما أنها حق السائل والمحروم و ابن السبيل.

فالزكاة بجميع أنواعها فرض على كل مسلم قادر، وعلى كل مال بلغ النصاب، وهو ما يجعلها فريضة تائهة لكون الجميع يحبون أن يكنزوا الذهب والفضة والأطيان والأملاك، وقليلًا من ينظر إلى ماله دائمًا فيخرج زكاتها ونصابها، وعلى رأسها زكاة الفطر التي ترتبط بموعد محدد وهو شهر الصوم.

كما أن الزكاة نجاة لكثير من الضعفاء والفقراء مثل: المساكين، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب (العبيد الذين ينشدون الحرية)، والغارمين (الذين انقطع بهم السبيل بالاستدانة وعدم القدرة على السداد)، وفي سبيل الله (كل من يقف على ثغر الإسلام ويدافع عن أرض المسلمين)، وابن السبيل (المسافر الغريب الذي انقطعت به السُّبل في سفره وبَعُد عن أهله وماله، ولم يكن له مالٌ يرجع به إلى بلده).

 

زكاة الفطر

زكاة الفطر هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، تدفع قبل صلاة عيد الفطر، أو قبل انقضاء صوم شهر رمضان، وهي واجبة على كل مسلم، قادر عليها، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها، وتمتاز عن الزكاوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال، بمعنى أنها فرضت لتطهير نفوس الصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال مثلًا.

وهي تجب على كل مسلم، صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى، في حال قدرته على دفعها وقت وجوبها، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ»، رواه أبو داود (1371) وقال النووي : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

حيث شُرعت زكاة الفطر لتكون تطهيرًا للصائم وكفارة له ممّا قد يقع من الرفث واللغو، ولتُشعر الفقراء والمحتاجين بالسعادة بيوم العيد، ولتغنيهم عن الطواف به لسؤال الناس وطلب المساعدة منهم، فعن وكِيع بن الجراح رحمه الله قال : «زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلاةِ، تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلاةِ». (المجموع للنووي ج6).

ولقد حدد الشرع نصاب زكاة الفطر بصاع من تمر، أو من زبيب، أو صاعًا من قمح أو من شعير أو من أرز، أو صاعًا من أقط (وهو الحليب المجفف)، ونحو ذلك مما يعتبر قوتًا يتقوت به، بما يناسب الحال، وبحسب غالب قوت البلد، وبعض العلماء أجاز إخراجها نقودًا حسبما تقتضي الحالة.

ولذا يحتاج المسلم إلى همة عالية في الحرص على العبادات والشعائر في شهر رمضان قبل أن يبدأ في إخراج زكاة الفطر والتي تجبر صيامه، فعلو الهمة خلق رفيع، تهفو إليه الفطر القويمة، وتعشقه النفوس الكريمة، وأهل الهمة العالية هم صفوة الأمة.

وإذا فقدت علو الهمة وحل محلها الفتور واللامبالاة؛ وقع المسلم في خطأ وحرج بسبب التساهل في العناية بمعرفة أحكام زكاة الفطرـ على قِلَّتهاـ إذ لا يخفى أن العبادة لا تتم على الوجه الشرعي إلا بالإخلاص والمتابعة، ولا يتحقق ذلك إلا بوسيلة العلم بالأحكام المتعلقة بها؛ لأنها فرض عليه.

يقول الشيخ أبى عبد المعز محمد علي: «فعدم الاكتراث بالتعلم والحرص عليه، واللامبالاة في السؤال من المكلف، والتهاون في السعي لتحصيله، كل ذلك يفضي به إلى الوقوع في محظور بجهل، أو يجني إثمًا باعتقاد فاسد يتعلق بقلبه، وقد يفوته فضل العبادة بسبب التأخر عن أدائها، أو إخراجها قبل وقتها، أو وضعها في غير أيدي المستحقين لها، أو امتناع المكلف عن أدائها لموانع وهمية غير شرعية، مثل عدم استحضار نية إخراج الزكاة المفروضة مما يحولها لصدقة، أو أن يشعر المرء أن زكاة الفطر منة منه على الفقراء، أو إخراجها من ردئ الأقوات الذي لا تطيب النفوس لأكله أو عدم جودته».

فعلى المسلم أن يهتم بهذه الفريضة، والتي ينتظرها الفقراء لتثلج صدور أبنائهم في أيام العيد، ويسعد الغني بالبركة التي يحلها الله سبحانه في ماله وحياته.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم