Business

الإخوان وتعظيم الشعائر في رمضان

تسعون عامًا عملت فيها جماعة الإخوان المسلمون على تصحيح مفاهيم الإسلام لدى الناس.

تسعون عامًا حرصت جماعة الإخوان المسلمون على إحياء شعائر الإسلام في كل مناسبة.

تسعون عامًا حملت جماعة الإخوان المسلمون هم دينها، وحرصت على تعريف الناس به وإحياء المظهر الإسلامي بين الناس.

تسعون عامًا استطاعت جماعة الإخوان المسلمون أن تغير النمط المجتمعي والصورة الذهنية للإسلام الوسطي المعتدل.

تسعون عامًا تحملت فيها جماعة الإخوان المسلمون كل مظاهر الاضطهاد والعنت صابرة وراضية من أجل أن تنتشر المظاهر والشعائر الإسلامية.

 

بداية الغرس

منذ الخطوات الأولى التي بدأت تخطوها جماعة الإخوان المسلمين نحو خلق أجيال تعظم حرمات وشعائر الله، وهي كانت أشد حرصًا على بث روح التربية الإيمانية في النفوس، وتعظيم شعائر الله سبحانه في قلوب الناس، التي استطاع المحتل أن يزينها في قلوب وعيون الناس كأنها من فضائل الأعمال وليس من فرائض العبادات، ولذا حرص الأستاذ حسن البنا على تذكير الناس بمعالم الطريق في هذا الشهر الكريم، حيث لم يكتف بالخطب المنبرية أو العظات الدينية فحسب، بل عمل مع إخوانه على تزيين عظمة هذا الشهر في قلوب الناس حتى أصبحوا يتمنون السنة كلها رمضان؛ لما عرفوه من سعة الرزق وبركة فيها وصلاح في القلب في هذا الشهر، هذه التربية الرمضانية التي خلقت جيلًا صبر على ما أوذي– سواء رجالًا ونساء– في سبيل هذا الدين.

فيقول الإمام حسن البنا: «ها هو السحاب ينقشع، والغيم ينجاب ويتكشف، والسماء تبتسم عن غرة الهلال كأنما هو قوس النصر أو رمز النور المبين، إنه هلال رمضان، الله أكبر الله أكبر، ربى وربك الله، هلال خير ورشد إن شاء الله، إنه هلال رمضان؛ شهر الأمة، وشهر الصوم، وشهر القرآن، وشهر المعاني السامية التي تفيض على قلوب من عرفوا حقيقة رمضان، واتصلوا بالملأ الأعلى فيه، وسمت أرواحهم إلى مرتبة الفهم عن الله، وما لنا لا نتحدث إلى إخواننا الكرام من بدء الإسلام عن شهر رمضان، ونطلعهم بخطرات النفس وخلجات الفكر، وهو شهر تفكره إضافة عميقة»([1]).

ولتعظيم شعائر هذا الشهر يقول الإمام البنا: [إن صوم رمضان فريضة إسلامية وشعيرة اجتماعية للوطن الإسلامي، وأمر رباني كريم لا جدال فيه: {فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

 

مدرسة لتعظيم الشعائر

حرص الإخوان خلال التسعون عامًا على تعظيم الشهر بالصور العملية، والبعد عن الصور النمطية، فعملوا على ملء المساجد، وإطعام الفقراء، والبحث عن سد رمق المحتاجين، ومحاربة المنكرات، حتى أن الحكومة وافقت على حظر تناول الخمر والمشروبات المسكرة خلال شهر رمضان وكانت البداية بمنطقة القنال، حيث أصدر فؤاد باشا شيرين الحاكم العسكري للمنطقة قرارًا يحظر على كل مسلم تناول هذه المشروبات خلال شهر رمضان في الطرقات العامة، أو المحال التي يرتادها الجمهور: كالمقاهي، والبارات، والنوادي، ومحلات البقالة وغيرها؛ أو أن يحملها في الطريق العام سواء أكانت في زجاجات أم بأي طريقة أخرى، كما لا يجوز أن يشتري شيئًا منها بنفسه أو بواسطة آخرين، ومحظور على المحال السابقة بيع هذه المشروبات لأي مرتاد يعلمون أنه يدين بدين الإسلام، ومن يخالف ذلك سوف يعاقب بغرامة لا تزيد عن عشرة جنيهات، وقد أيد الإخوان هذا الإجراء معتبرين ذلك بداية يجب الاقتداء بها»([2]).

وفي تصوير أخوي لحقيقة المعاني الانسانية في رمضان يذكرنا الحاج أحمد أبو شادي بقوله: «كانت هناك عادةٌ طيبة في شهر رمضان حيث كانت الشعبة تدعو بعضها البعض إلى الإفطار، وكنّا في رمضان نوزع أنفسنا في حي العباسية على أربع مجموعات تتحرك في أربعة اتجاهات لإيقاظ الناس لصلاة الفجر، فكانت المساجد وقت صلاة الفجر مثل صلاة الجمعة.

كما كنا نجمع الزكاة ونوزعها على الأهالي في الشعبة؛ حيث كان من أهداف الجماعة خدمة الفقراء والمحتاجين، وكان الجميع في العشر الأواخر يدخل الاعتكاف بمن فيهم أعضاء مكتب الإرشاد الذي كان يأخذ إجازة؛ من أجل الاعتكاف([3]).

وفي مضامين جهادية يسطرها المجاهد عويس عبدالوهاب- الذي شارك الفلسطينيين جهادهم عام 1948م وأبلى بلاء حسنًا حتى أنه كان واحد من الإخوان الذين نالوا نيشانًا من الدرجة الثلاثة من الملك فاروق لجهوده في الحرب– حيث يميط اللثام عن بعض الأفعال التي كان يقوم بها الإخوان تعظيمًا لهذا الشهر الكريم فيقول: [كنا نعكُف على العبادة والأنشطة المختلفة من كفالة الأيتام والصلح بين الناس وغيرها، وبالطبع رمضان قبل أن أعرف الإخوان ليس كما عرفته معهم؛ فأنا لم أعرف التعمق في العبادة إلا معهم].

بل في صورة معبرة عن حقيقة تفاعل شعائر هذا الدين مع القلوب يصف لنا الداعية محمد عبدالمنعم– أحد قيادات الإخوان بالإسكندرية– كيف أن التعذيب والسجون لم تثنيهم عن العناية باستقبال رمضان والحرص على عدم ضياع وقته وذهابه سدى فيقول: «أتذكر أيضًا فرحة الإخوان عندما أفرجت إدارة السجن عن المصاحف بمناسبةِ شهر رمضان فقط وسمحت به للمعتقلين بعد أن منعتهم من اصطحابه بمجرد دخولهم ذلك الباستيل الذي يُسمَّى السجن الحربي، ثم جمعت منهم المصاحف بعد ذلك، وكان التضييق الشديد إلى جانب قلة الطعام ورغم ذلك كانت صلاة القيام جماعية يؤمنا فيها إخوةٌ كرامٌ من الحفظةِ المهرة بالقرآن جزاهم الله خيرًا إلى جانبِ انكباب الإخوة أثناء المحنة على أجزاء القرآن تلاوةً وحفظًا وقراءةً وتفسيرًا ومجالس علمٍ وتراحمٍ فكانت خيرًا وبركةً رغم المعاناة»([4]).

وتحت ضربات المدافع، وصرخات المظلومين يحاول الشهيد أحمد ياسين أن يصور لنا كيف كانوا يحرصون على عبادة شهر رمضان وصهر القلوب فيه بمعانيه الحية، فيقول: رمضان عبارة عن محطة في حياة المسلم، يتزود فيها المسلمون إيمانيًا وأخلاقيًا وتعبديًا، للعام القادم إن شاء الله تعالى، فشهر رمضان شهر الإعداد للأخلاق والجهاد والتضحية والبذل والعطاء فهو مرحلة ومحطة من محطات العمل الإسلامي.

ويستطرد موضحًا جدولًا تعظيميًا يوميًا لما يقوم به فيقول: نقوم قبل الفجر بساعة أو نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة نتوضأ ونصلي، وقبلها نتسحر وبعد السحور نتوضأ ونصلى ونأخذ حاجتنا من الصلاة حتى يؤذن الفجر، ثم نخرج إلى المسجد فنؤدي صلاة الفجر ثم نعود إلى المنزل فنقرأ من القرآن ما نستطيع، أحيانا جزءًا أو جزأين حسب القوة الجسمية([5]).

الواقع يرسم لنا لوحة خلابة لدور الإخوان في تعظيم شعائر الإسلام عامة وشعائر شهر رمضان خاصة، حيث الأجواء الايمانية والتعاونية والخدمية التي يعملون على بثها وسط الناس.

وهكذا يأتي رمضان وقد غيبت هذه الجهود، وحوربت الشعائر حتى أضحى الأذان في نظر السلطان مزعجًا، وارتياد المساجد والاعتكاف فيه خطر، والالتقاء على الطاعات من الممنوعات، وهكذا يعيش رمضان وأهله في غربة.

 

المصادر


([1])  مجلة الإخوان المسلمون: السنة الأولى، العدد 23، 4 رمضان 1352هـ / 21 ديسمبر 1933م، صــ1.

([2])  مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (43)، السنة الثانية، 21رمضان 1363ﻫ/ 9سبتمبر 1944م، ص (5).

([3])  ذكريات مع الحاج أحمد أبو شادي: إخوان ويكي، http://fc.lc/BSoTKD

([4])  حديث الذكريات مع الأستاذ محمد عبدالمنعم، إخوان تيوب، http://fc.lc/AYbrVJ

([5])  برنامج حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في شهر رمضان المبارك: http://fc.lc/tUVpp

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم