تشتد حاجتنا اليوم للحوار؛ نظرًا للتداعيات والتحديات التي تحيط بنا، وهو قيمة ضرورية كمنهج من مناهج أدب الخطاب في توضيح العلاقات المشتركة مع الآخر، ووسيلة فعالة للتفاعل الاجتماعي الجاد، وللسمو والرقي والتحاور البناء الذي يهدف إلى الانتقال من علاقات التناحر والصراع إلى علاقات جديدة يحكمها التفاهم والتناغم والتسامح والتعايش.
وفى دراسة بعنوان: "التوظيف التربوي الإسلامي لثقافة الحوار مع الآخر»، للدكتور محمد حسن أحمد جمعة، المدرس المساعد بقسم أصول التربية، كلية التربية جامعة المنصورة، يرى أنه للدفاع عن الإسلام، وإبراز ثوابته الداعمة للحوار مع الآخر، وانطلاقًا لمواجهة الاتهامات التي تكال له دائمًا، لا ينبغي أن تكون دعوة الإسلام للانفتاح على الآخر كلمة حق يراد بها باطل، وهو خداعنا وكسب الوقت لمزيد من احتلال أراضينا وتدمير هويتنا وديننا ونظم تعليمنا وثقافتنا، إنما هو حوار للتعايش والتفاهم والتواصل.
مبادئ الحوار مع الآخر في القرآن الكريم
- التأكيد على أن الله تعالى هو رب العالمين، لا رب شعب أو أمة دون غيرها من الأمم.
- أكد الإسلام على تكريم الإنسان تكريمًا مطلقًا، فلا تفرقة بين الناس بسبب لون، أو جنس أو دين.
- جعل الإسلام التفاوت بين الناس والتفاضل بينهم ثمرة لمعايير متاحة ومفتوحة أبوابها أمام كل إنسان.
- رفض الإسلام العنف والقتال وسفك الدماء، وقرر أن القتل استثناء والأصل السلم، ولا يُلجأ إلى القتال إلا عند الضرورة ورد الاعتداء.
- أوجب الإسلام العدل مع الآخر، حتى مع من أنكره وحاربه.
- اعترف الإسلام بجميع الشرائع السماوية السابقة، وجعل الإيمان بها جزءًا من عقيدته.
- تعايش الإسلام بسماحته مع جميع الأديان من منطلق قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ} (الكافرون: 6).
- أماكن العبادة للديانات الأخرى في الإسلام محترمة يجب الدفاع عنها وحمايتها، كحماية أماكن عبادة المسلمين.
- اختلاف الناس في أديانهم لا ينبغي أن يؤدي إلى قتل بعضهم بعضًا.
منطلقات الفلسفة التربوية الإسلامية للحوار مع الآخر
- التعارف والتعاون بالبر والقسط.
- الدعوة إلى الله.
- الكرامة الإنسانية، بلا فرق بين أبناء دين أو لون أو جنس أو عرق.
- الحرية في الاختيار، وعدم الإكراه بأي حال.
- القواسم المشتركة.
- إنصاف الآخر والموضوعية في الحكم عليه.
- التعايش لا الصراع.
أهداف توظيف الحوار مع الآخر
- هدف عقائدي: وهو تصحيح الصورة الخاطئة التي انتشرت عن الإسلام.
- هدف سياسي: وهو الارتقاء بحضارتنا وسط الأمم؛ فإن الحوار لا يكون إلا بين حضارات متكافئة.
- هدف اقتصادي: للاستفادة من خبرات الدول المتقدمة اقتصاديًا، فلا حرج في التعاون والتلاقي العلمي مع الآخر، وتوظيف هذا التحاور فعليًا من خلال التعليم.
- هدف خلقي: تدعيم الإيمان بالله الواحد، والإيمان بأن التفوق العلمي والتكنولوجي الذي يُفاخر به الآخر ما هو إلا وسيلة لخدمة الإنسان وإسعاد البشرية، وذلك ردًا على الاتجاه المادي.
- النظر إلى الآخر من خلال الإيمان بوحدة الأصل البشري.
- إعادة صياغة صورة الآخر في إطار من التسامح، والرغبة المشتركة في بلورة قيم إنسانية مشتركة.
- وقف عمليات الاستيعاب والاستلحاق بين الحضارات، والدعوة إلى عقلنة سلوك الدول داخل هذه الحضارات، ومنع أو عرقلة استخدام الدول قوتها لأغراض الهيمنة.
- إبطال المناخات المفعمة بالمخاوف ومشاعر العنصرية والكراهية، وتوفير المناخ الملائم لتبادل الوافد النافع من الثقافة والعلم والخبرة.
- التأكيد على التسامح والتعايش السلمي مع الآخر، وإنكار نزعات التفوق والسيطرة.
الحوار مع الآخر
منهجية الحوار:
- توافر الحرية الفكرية.
- الاستعداد النفسي للاقتناع بالنتائج.
- عدم التعصب لفكرة مسبقة.
القواعد العامة للحوار:
- اعتماد العقل والمنطق.
- تقديم الأدلة المثبتة أو المرجحة لكل فرضية أو دعوى يقدمها المحاوِر.
- صحة النقل للنصوص المنقول والمروية.
- عدم التناقض في الدعوى أو في الدليل الذي يقدمه المحاور.
- إنصاف المحاور.
- تحديد الغاية وتوضيحها.
- خلق الأجواء الهادئة للتفكير السليم.
- إعداد خطة علمية للحوار.
- إبراز الهدف الذي تدور حوله المحاورة.
- التركيز على أن تكون الغاية واضحة، والهدف محددًا ومقبولًا من النفوس والمشاعر، بعد اجتيازه مرحلة القبول العقلي.
شروط الحوار وآدابه
أولاً: شروط المحاورة:
- استخدام اللغة القوية والألفاظ الواضحة والأفكار المرتبة.
- اختيار الأسلوب الأمثل بالبعد عن العنف والقسوة.
- احترام التخصص وعدم التحاور في موضوعات ليس لها علاقة بفكر المحاور واهتماماته.
- طلب الحق بالتجرد من العاطفة.
ثانيًا: شروط المحاور:
- يكون متجردًا من التعصب الأعمى، وأن يقبل الرأي والرأي الآخر، ويؤمن بالحوار والمناقشة.
- أن يتسم برزانة العقل، والتحرر من تبعية الهوى والميل الذاتي.
- أن يلتزم القول الحسن، ويتجنب منهج التحدي والإفحام.
- أن يلتزم الوقت المحدد له، فلا يتجاوزه مهما كانت الأسباب.
- أن يقدر الآخر ويحترمه.
- أن يركز على الفكرة ومضمونها، لا على صاحبها وخلفيته، أي يفصل بين الفكرة وصاحبها.
- أن يتسم بالأدب واللباقة، وأن يتحلى بروح الود والتسامح مع من يحاوره.
ثالثًا: آداب الحوار:
- التسامح الفكري.
- النظر في القول لا إلى قائله.
- الاعتراف بالخطأ دون كبر أو غرور.
- الترحيب بنقد الآخر.
- النقد الذاتي.
- طلب النصح والتقويم من الآخرين.
- التنازل عن بعض الآراء الجزئية لجمع الكلمة وتوحيد الشمل، على ألا تشتمل هذه التنازلات ما يتعارض من المبادئ والأسس الرئيسة للعقيدة.
- الرغبة في الاستفادة مما عند الآخر.
معوقات التواصل والتحاور مع الآخر
أولًا: المعوقات الشخصية
- الثرثرة والإطناب في الكلام.
- اللف والدوران والابتعاد عن الوضوح في العرض.
- غياب الأدلة والبراهين.
- إضفاء جزء من الحقيقة وإخفاء آخر.
- الغضب والتعصب.
ثانيًا: المعوقات الموضوعية
- الضوضاء والتشويش.
- تباين المفاهيم، وعدم تحديد كل طرف لمفاهيمه قبل الدخول في الحوار.
- تباين عقلية الأجيال واختلاف مصالحها وتباعد فلسفتها نحو الحياة.
- إسقاط قيمة العمل والإنتاج، وجعل الكلام غاية المحاورة.
- فساد ذات البين، فكثير من المسلمين يتقاتلون ويتخاصمون ويستجيبون لكل صيحة تؤجج نار العداوة بينهم.
ثالثًا: معوقات خاصة بالداخل الإسلامي:
- التخلف الحضاري العربي الإسلامي المعاصر.
- التمترس بالهويات الجامدة.
- الاقتصار على الجهود النخبوبية المحدودة وعدم توسيع دائرة التواصل.
- الوقوف عند الخلاف الصراعي، وتجاهل المشتركات الإنسانية.
رابعًا: معوقات خاصة بالآخر:
- أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011.
- قناعة الآخر بأن الإسلام دين قوي داعم للإرهاب.
- الجهل الفكري الناتج عن تشويه الاسلام.
- الاعتداد بالذات.
- الإرث التاريخي العدائي ضد الإسلام والمسلمين.
.