Business

طرق علاج ازدواجية السلوك من منظور التربية الإسلامية

حث الله على أن يكون باطن المسلم كظاهره، وقوله وفعله سواء، لا تناقض ولا انفصام في المواقف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2، 3)، ومما يؤسف له في زمننا الحاضر أن نرى ونسمع عن سلوكيات بعض المسلمين التي تتصف بالتناقض، أو ما يمكن تسميته بازدواجية السلوك.

وفى دراسة بعنوان: «طرق علاج ازدواجية السلوك من منظور التربية الإسلامية» -2016-، للدكتور عبدالرحمن بن سعيد الحازمي، يتناول فيها دراسة ظاهرة الازدواج سلوكيًا، وتحديد أسبابها، وآثارها على الفرد والمجتمع، وموقف الإسلام منها، وطرق علاجها من منظور تربوي إسلامي، من خلال التركيز على مجموعة من الوسائط الفاعلة في علاج ظاهرة ازدواجية السلوك وهي: الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والإعلام.

 

 

دور الأسرة في علاج ازدواجية السلوك

إن سلوكيات الطفل تتكون وفق ما يغرسه الوالدان في السنين الأولى من عمره؛ لذا يقول الشاعر: 

وينشأ ناشئ الفتيان منا  ....  على ما كان عوده أبوهُ.

ودور الوالدين في توجيه وإرشاد أولادهم يعد من الواجبات عليهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، وقال النبي ﷺ: «كلكم راعٍ  وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ ومسؤول في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته».

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أمرين، هما:

  1. حتى يؤتي توجيه الآباء والأمهات أُكله بإذن الله، فعلى الوالدين السعي إلى طلب العلم- بداية من الشرعي ثم غيره من العلوم التربوية والدنيوية النافعة- مع المدوامة على ذلك طيلة حياتهما.
  2. مراعاة التوازن والاعتدال في توجيه وإرشاد الأولاد، فلا إفراط ولا تفريط، حتى لا ينتج عن ذلك آثارٌ سلبية تؤدي إلى الانحراف، وأن لا يغيب عن ذهن الوالدين بأن يكون بجانب وقت الدراسـة وطلب العـلم ما يخصص للعب والمرح والترويح عن النفس، فالنفوس إذا تعبت ملت، وقد كان رسول الله ﷺ: «يتخول أصحابه بالموعظة في الأيام كراهية السآمـة».

 

دور المدرسة

ينتقل الطفل إلى المدرسة ويمضي فيها سنين طويلة تصل إلى اثني عشر عامًا، وفي خلال هذه الفترة يتلقى التوجيهات والإرشادات في إطار المعتقدات والمبادئ والقيم والأفكار، ويتأثر بالسلوكيات التي تصدر من المعلمين، لذلك سوف يتم التركيز على دور المدرسة في معالجة ازدواجية السلوك من خلال عنصرين أساسيين في المـدرسة هما:

  • المـعـلـم

المربون وغير المربين يعرفون أهمية الدور الذي يضطلع بـه المعلم داخل المدرسة، وتأثيره الفاعل في سلوك المتعلمين، ولذلك اهتم السلف والخلف بوضع صفات أساسية للمعلمين، ويجب على الجهات المعنية بتعيين المعلمين وفي كافة المستويات الاهتمام بهذه الصفات، واستبعاد أي معلم لا تتوافر فيه، وفي مقدمة هذه الصفات تقوى الله تعالى، وحسن الأخلاق، والصدق، والأمانة، وسعة العلم، والثقافة الإسلامية؛ وألا يصدر منه مذمة لزملائه، أو ازدراء لأحدٍ من الناس، أو تعاطٍ للتدخين، أو سماع للأغاني الساقطة، أو ضياعٍ للأوقات فيما لا فائدة منه، أو عدم الاهتمام بمادته وإعطائها حقها من الاطلاع والتحضير والشرح، ويكون كل همه هو مصلحة الطالب وإعداده إعدادًا مركزًا؛ فإذا تصورنا أن ذلك حال جميع المعلمين أو جلهم؛ فنكون اقتربنا حينئذٍ من إعداد جيلٍ من أبناء الإسلام واعٍ مدركٍ صالحٍ مصلحٍ، سلوكه واحد لا ازدواجية ولا انحراف فيه، يحقق للأمة الإسلامية عزها ومجدها.

  • الكتاب المـدرسي

حتى يكون للكتاب دوره الفاعل في معالجة ازدواجية السلوك، ينبغي التركيز على عدة أمور منهــا:

  1. غرس عقيدة التوحيد في نفوس الناشئة بالوسائل والطرق الملائمة، وبيان مظاهرها في شتى جوانب الحياة.
  2. الاهتمام والتركيز على الثقافة الإسلامية وبيان أصالتها وزيف الثقافة الغربية المعاصرة.
  3. التركيز على شخصية الرسول ﷺ (الأسوة الحسنة)، وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، والتابعين لهـم بإحسان، وعـرض مواقفهم وسلوكياتهم المتوازنة عرضًا يجعل من كل هؤلاء، ومن الرسول ﷺ تحديدًا نماذجَ ومُثل أعلى يُحتذي بهم.
  4. نشر المبادئ والقيم الإسلامية.
  5. الاهتمام بالجانب التطبيقي العملي في عرض محتويات الكتاب، فهو أكثر تأثيرًا ورسوخًا في الشخصية.
  6. أي تطوير وتجديد للكتاب المدرسي ينبغي أن يتوافق مع أصول الإسلام وقواعده العامة، ويُسأل في ذلك العلماء والمختصون والمعروف عنهم الإخلاص والغيرة على الإسلام ومصالح المسلمين.

 

دور المسجد 

المسجد أحد الروافد الأساسية للتوجيه والإرشاد في المجتمع المسلم، بل كان المسجد في صدر الإسلام هو المنطلق لكل شؤون الدولة، فلم يكن مكانًا لأداء الصلوات الخمس فحسب، بل مركزًا للحكم، ومركزًا للإدارة والسياسة، والاقتصاد، وقيادة الجيوش المجاهدة لإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، ومركزًا للإشعاع العلمي والمعرفي.

ويمكن للمسجد معالجة ازدواجية السلوك بالأمور التالية:

  1. الاهتمام باختيار الأئمة والمؤذنين ممن لديهم علم وإلمام بالعلوم الشرعية، مع فهمهم وعلمهم بالواقع المعاصر، ومتصفون بصفات الصلاح والتقوى والاستقامـة في السلوك.
  2. إعادة تأهيلهم الأئمة والمؤذنون الذين هم دون المستوى المطلوب.
  3. تكثيف الأنشطة الدعوية، مثل: الدروس، والمحاضرات، والندوات، والكلمات الوعظية ...الخ.
  4. التركيز على إيضاح ما يواجهه العالم الإسلامي من تحديات في مقدمتها الغزو الفكري والثقافي، الذي يبث هذه الأيام عبر القنوات الفضائية، وعبر شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، وكيفية مواجهة ذلك الغزو بأسلوب يقوم على الحكمة ووسطية الإسلام.

 

دور الإعلام 

يعد الإعلام أهم وأخطر الوسائل المؤثرة في السلوك، وكثير ما يستخدم لبث المعتقدات والأفكار لتكون سلوكًا يمثله الأفراد في شؤون حياتهم.

ولما كان الإعلام بهذه الصورة، كان لا بد من وضع خطوات يمكن من خلالها جعله أداة ناجعة في القضاء على ازدواجية السلوك، ومن تلك الخطوات:

  1. تذكـير القائمين عـلى أجـهزة الإعـلام بوسائله المختلفة بضرورة تمثل القيم الإسلامية في ما ينشرون، والابتعاد عن ما لا يجوز.
  2. على الجهات المسؤولة في الدولة اختيار رجال الإعلام ممن عرفوا بصلاحهم وتقواهم وفقههم، ليكونوا مشعل هداية وخير لأمتهم بما يبثونه من برامج إعلامية هادفة.
  3. أن يلتزم هؤلاء المختارون لإدارة الأجهزة الإعلامية بالتوسط والاعتدال في إعداد وعرض البرامج الإعلامية، بعيدًا عن الإفراط أو التفريط.
  4. الاهتمام بعنصري التنويع والتشويق في عرض البرامج الإعلامية؛ لجذب المشاهدين والبعد عن البرامج ذات الأسلوب الرتيب.
  5. عدم التقوقع على الذات ومحاولة الاستفادة الجادة من البرامج الإعلامية الهادفة التي تبثها القنوات الإعلامية الأجنبية، وعرضها بما يتوافق وخصوصية الفكر الإسلامي، فالحكمة ضالة المؤمن، قال ﷺ: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها».

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم