تضرب جنبات الأمة في وقتِنا الراهن مظاهر الضعْف التربوي والتعليمي معًا، وكأن الرؤية الاستراتيجية التي وضعها دانلوب– المندوب السامي بمصر عام 1907م– والتي هدفت إلى تغريب أجيال الأمة الإسلامية وطمس هويتهم– قد أتت ثمارها، ويجني ثمارها الحنظل هذا الوطن المكلوم جيلًا بعد جيلٍ، بل ويقوم على تنفيذها من تربوا على سياسة دانلوب التخريبية.
التعليم والأزمة الحقيقية
لم يكن مخطط دانلوب– والذي ما زال يطبق حتى الآن- هو إضعاف أبناء الأمة الإسلامية تعليميًا ونشر الجهل فحسب، لكن كان هدفه الأول هو ضرب التربية والتوعية الأخلاقية، وتدمير كيان الأسرة، وتخريب العقول، والتي– بالفعل– تحققت؛ حتى أن بعض من تعلموا على منهج هذا الفكر عبّر عن ذلك بقوله: «يجب أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يُحَب منها وما يُكرَه، وما يُحمَد منها وما يُعاب»([1]).
لقد كان من نتائج هذه السياسة انتشار المدارس التبشيرية– ما زال بعضها يعمل دون رقيب– والتي كانت اليد اليمني لدانلوب في نشر سياسته على أرض الواقع.
واستمرت سياسة المحتل الانجليزي في تفريغ التعليم المصري من أهدافه ومضمونه؛ لتخريج أشباه متعلمين لا يصلحون إلا للوظائف الدنيا، وقد وضح ذلك (بالمر ستون) الوزير الإنجليزي بقوله: «لا ترضى إنجلترا أبدًا بتقدم مصر ورقيها، فكان من الطبيعي أن توضع المناهج على أساس قشور من العلم لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا يُقصد من ورائها إلا تخريج آلات كتابية تقوم بعبء الأعمال الحكومية»([2]).
جهود الإخوان الواقعية
اعتنى الإخوان منذ نشأة الجماعة بالتربية والتعليم معًا؛ فنجد الإمام البنا يحرص على ذلك فيقول: «قد يُظن أن التهذيب نتيجة من نتائج العلم، والحقيقة أن العلم شيء والتهذيب شيء آخر، وقد يكون الشخص عالمًا وليس مهذبًا وبالعكس؛ لأن مرجع العلم إلى العقل ومرجع التهذيب إلى الخلق»([3]).
لقد أنشأ الإخوان (معهد حراء) للبنين و(مدرسة أمهات المؤمنين) للفتيات، فكانت أوقات الدراسة تتمشى مع مواقيت الصلاة؛ فتبدأ في وقت مبكر، وتنتهي الفترة الأولى قبل صلاة الظهر، حيث يؤدي التلاميذ جميعًا الصلاة مع الجماعة في المسجد ويعودون بعد الغداء وقبيل العصر ليؤدوا الصلاة في جماعة أيضًا.
كما طالب الإخوان بعدة أشياء لإصلاح التعليم تربويًا، يجب على الجميع الآن أن ينظروا لمضمونها ويقتدوا بها إن كان فيها النفع:
- العناية الجدية ببث روح الدين والأخلاق في نفوس الطلاب جميعًا.
- تشجيع الجمعيات الدينية والخلقية، وإفساح المجال لها في برامج النشاط المدرسي.
- انتداب المحاضرين أو المرشدين النابهين الأخصائيين في علوم الدين والأخلاق، من رجال وزارة المعارف، والأزهر الشريف، والهيئات الإسلامية العاملة، لإلقاء محاضرات (خلقية) حرة على الطلاب- في أوقات فراغهم خلال اليوم المدرس- وفق نظام خاص يوضع لذلك([4]).
ولقد راعى الإخوان اختلاف الثقافات التربوية لدى الشعوب والأماكن، فيضع الإمام البنا أطرًا لهذا الرؤية فيقول: «وإن لكل أمة وشعب إسلامي سياسة في التعليم وتخريج الناشئة وبناء رجال المستقبل، الذين تتوقف عليهم حياة الأمة الجديدة، فيجب أن تُبنَى هذه السياسة على أصول حكيمة تضمن للناشئين مناعة دينية، وحصانة خلقية، ومعرفة بأحكام دينهم، واعتدادًا بمجده الغابر، وحضارته الواسعة»([5]).
موقف عملي
ذكر الأستاذ محمد عبد الله السمان موقفًا عمليًا للإخوان فقال: «في بلدة طما بمراغة بسوهاج، قامت مدرسة تبشيرية بإجبار التلميذات المسلمات على حضور مادة الدين المسيحي، ولكن الإخوان بهذه البلدة لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فقام الحاج أحمد لطفي الزارع، رئيس جمعية الإخوان بطما، والأستاذ المدرس محمد عبد الله السمان، قاما بالذهاب إلى مدرسة البنات والتحدث مع ناظرة المدرسة مس هوفر، فقالت الميزانية لا تسمح بمرتب مدرس جديد، فقالا: إنهما مستعدان بالتطوع لتدريس الدين الإسلامي للتلميذات المسلمات ولو حصة واحدة في الأسبوع تحت رعاية إدارة المدرسة، إلا أن رد مس هوفر كان مستفزًّا، حيث قالت لهم: إن هولندا بعثتني لإنشاء مدرسة للبنات لنشر الدين المسيحي، لا أن تنفق أموالها لتعليم الدين الإسلامي، ثم إن لديها إقرارات من أولياء أمور التلميذات موقعًا عليها منهم ومؤرخة بأن لا اعتراض على حضور بناتهن درس الدين المسيحي. وعندها قرر الإخوان إنشاء مدرسة ابتدائية خاصة للبنات([6]).
لقد استخدم الإخوان وسائل التكنولوجيا الحديثة في الوصول بالتربية إلى جميع الأجيال والفئات، حيث استخدموا القنوات الإذاعية، والمواقع الإلكترونية، والغرف الحوارية على شبكة الإنترنت، وعمدوا إلى علاج الظاهر التربوية، والخلل التعليمي من خلال مدارسهم التي أنشأوها، وأثبتت فاعليتها التربوية والتعليمية على حد سواء.
المصادر
([1]) الموسوعة العالمية للشعر العربي: http://cutt.us/QC0pu
([2]) مقال بعنوان (في مناهج التعليم): جريدة الإخوان المسلمين الثلاثينيات، العدد 11، السنة الثالثة، الثلاثاء 24ربيع الأول 1354هـ / 25يونيو 1935م.
([3]) مقال بعنوان حياتنا التهذيبية: مجلة الشبان المسلمين الشهرية، السنة الأولى، المجلد الأول، الجزء الثاني، جمادى الآخرة 1348ﻫ/ نوفمبر 1929م، صـ104.
([4]) مجلة التعارف، العدد 9، السنة الخامسة، 5ربيع الأول 1359ﻫ/ 13أبريل 1940م، صـ1.
([5]) رسالة إلى أي شيء ندعو الناس: مجلة الإخوان المسلمين، العدد 11، السنة الثانية، 7 ربيع الثاني 1353ﻫ- 20 يوليو 1934م، صـ3.
([6]) محمد عبد الله السمان: أيام مع الإمام الشهيد حسن البنا، دار الفضيلة، القاهرة، 2002م، صـ62
.