اعتنى النّبي ﷺ بالأطفال عناية فائقة، وقام على رعايتهم رعاية كاملة، وصدر عنه من الأقوال والأفعال، ما يلبّي حاجات الطّفل في كلّ جوانبها الرّوحيّة، والعلميّة، والنّفسيّة، والبدنيّة، والاجتماعيّة.
والبحث، الذي أعده الدكتور محمد عيد محمود الصاحب، كلية الشريعة -الجامعة الأردنية، يوضح رعاية النّي ﷺ للأطفال في مجالاتها المختلفة، الرّوحيّة منها، والنّفسيّة، والعلميّة، والاجتماعيّة، والبدنية. مبينًا أنّ الأساس في هذه الرّعاية هو الرّحمة.
رعاية الأطفال روحيًا
وكان النّبي ﷺ يعتني بالطّفل روحيًا منذ أيامه الأولى، فيجعل أول ما يطرق سمعه ذكر اللّه تعالى، بإسماعه الأذان في الأذن اليمنى، وإسماعه الإقامة في الأذن اليسرى، ليكون أول شيء يطرق سمع الطّفل هو اسم اللّه تعالى، وأن تكون الدعوة إلى اللّه تعالى وإلى عبادته سابقة لدعوة الشيطان وغوايته.
وينقل لنا ابن عبّاس تعليم النبي ﷺ له أمور العقيدة وهو غلام صغير، فيقول: كنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إنيّ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَاعْلَمْ أَن الإُمةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَم يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَم يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ رُفعَتْ الأقْلَامُ وَجَفتْ الصُّحُفُ».
وفي مسألة الصلاة والمحافظة عليها، نجد النّبي ﷺ يوجّه أنظار الوالدين ومن يلي أمر الصّغار إلى الاهتمام بهذه العبادة، ويوضّح لهم أن يباشروا الأمر بالصلاة للصغار من سنّ السّابعة، فيقول: «مُرُوا أوْلا كمْ بِالصّلاةِ وَهُمْ أبْناءُ سَبْعِ سِنينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْها وَهُمْ أبْناءُ عَشْرٍ، وَفَرّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المضاَجِعِ».
رعاية الأطفال علميًا
روى عُمَرُ بْنُ أَبي سَلَمَةَ قَالَ: كنْتُ غلَامًا فِي حجْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللهَ، وكلْ بِيَمِينِكَ، وكلْ مِما يَلِيكَ، فمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْد».
رعاية الأطفال نفسيًا
منهج النبيّ كان يتمثل أحيانًا بمداعبة الأطفال- وهو عنصر هام في بناء شخصيتهم- وبالسؤال عنهم ومخالطتهم، وحملهم على الدّواب مع الكبار في الأسفار والزّيارات، وإحضارهم إلى مجالس الكبار، وغير ذلك من الأساليب المتعدّدة التي تبني شخصيّة الطّفل وتصقلها، وتنمّي مواهبه وتغذيها، وتصل بالطّفل إلى المستوى المطلوب من الشخصيّة السوّية.
ولقد أقام النّبي ﷺ مسألة التعامل مع الأطفال على مبدأ الرّحمة، وجعل ذلك هو الأساس في رعايتهم، ويتضح ذلك في سنته القولية والفعليّة، وكان أنس بن مالك رَضيَ اللّه عَنْهُ قد لخّص ذلك بقوله: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كانَ أَرْحَمُ بِالعِيالِ مِنْ رَسولِ اللهِ ﷺ».
رعاية الأطفال اجتماعيًا
وكان النّبي ﷺ يزور الصّحابة في بيوتهم ويداعب أطفالهم ويسلّيهم، ولا يخفى ما لهذه الزّيارات من أثر في تربية الأطفال اجتماعيًا، ودمجهم في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها؛ ومنحهم الحصانة التي تمنعهم من الانسحاب أو العزلة، وتعطيهم القدرة- عند بلوغهم سنّ الرّشد- على تحمّل أعباء الحياة، التي تحتاج إلى جرأة وقوّة وحكمة.
وإذا ذكِرَت الرعاية الاجتماعيّة فيجب ألا ننسى سنّته ﷺ في إخراج الصّغار إلى مصلّى العيد، ليشاركوا الرّجال والنساء في مناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى، ويتشربوا عادة الاجتماع مع الآخرين من أقاربهم ومن أفراد مجتمعهم.
رعاية الأطفال جسميًا
وهي حاجات اعتنى بها النّبي ﷺ من خلال توجيهاته وإرشاداته، التي بيّن فيها أنها من مسؤولية الآباء اتجاه أبنائهم؛ واللّه تعالى أوجب على الوالد، القيام بالنفقة على أبنائه.
ونجد النّبي ﷺ في إشارة بديعة، يقدّم الصّغير على من سواه في جانب التّغذية، لحاجته إلى بناء الجسم والعقل، حيث إنّ التقصير في تغذية الطّفل وهو صغير، ينعكس سلبًا على حياة الطّفل المستقبليّة، ويضرّ ببناء شخصيّته إذا أصابه المرض أو العاهة بسبب نقص الحاجات العضوية لديه؛ ويبيّن ذلك ويوضّحه، أن الناس كانوا إذا رأوا أول الثمر، جاؤوا به إلى النبي ﷺ، فإذا أخذه رسول اللّه ﷺ دعا بالبركة، ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر.
أثر الرّعاية النّبويّة في بناء شخصيّة الطّفل
من كل ما سبقا نجدّ النبيّ ﷺ أراد أن يبني شخصيّة الطفل بصورة صحيحة، وأن يحصّنها ضد الكفر. والأخذ بهدي النّبي ﷺ في هذا الإطار يحقّق المصلحة للأطفال في جوانب عدّة، من أهمّها:
- عدم الانطواء على الذات، الذي يعدّ مشكلة من مشاكل الصّغار، والذي ينعكس سلبًا عليهم عند الكبر.
- تقويم سلوكهم، وتصوّيب ما اعوج من أفعالهم.
- وتظهر ثمرة التأديب الحسن في التزام العبد بأمر ربّه.
- والإحسان في عمله.
- والتمسك بالأخلاق الفاضلة التي تؤدّي بالعبد إلى الفوز بالجنّة.
.