أبو العربي مصطفى يكتب: مصطفى مشهور وجوانب من حياته التربوية

 

مصطفى مشهور والذي رحل عنا بعد حياة مليئة بالحركة والجهاد والعمل لدين الله سبحانه، حتى ترك في نفوس من عرفه بصمات تربوية، لا يستطيع أحد نسيانها أو تجاهلها.

 

رحل مصطفى مشهور، بعدما غاب عن الوعي أكثر من مرة وهو يصلى العصر في المسجد، مساء الخميس 9 من رمضان 1423هـ 14 من نوفمبر2002م.

دخلت عليه ابنته سلوى في غرفته قبيل العصر، فرأته مرتميًا على الأرض في غيبوبة ما لبث أن أفاق منها، وقام ليتوضأ، رجته أن يشفق على نفسه ويصلي العصر في البيت، فأبى وخرج إلى المسجد، وبعد صلاة العصر أصيب بجلطة دماغية ألقته أرضًا في المسجد، ليدخل في غيبوبة استمرت سبعة عشر يومًا قبل أن يرحل ليدفن في مقابر الوفاء والأمل.

ولد مشهور في 15 من شهر سبتمبر عام 1921، في قرية السعديين التابعة لمحافظة الشرقية بمصر، حياة حفلت بمعاني التربية والقدوة، حيث اعتبر التربية على طريق الدعوة من ألزم الأمور وأهمها، فقد كانت وستظل معلم من معالمها وثابت من ثوابتها في الإصلاح والتغيير والبناء والتكوين.

يقول رحمه الله: «لقد أثبتت الأحداث والأيام أنه بقدر الاهتمام بالتربية تتحقق الأصالة للحركة، واستمراريتها ونموها، يكون التلاحم بين الأفراد ووحدة الصف».

 

إخلاص مربي

لا تكاد الكتب تذكر أن الأستاذ مشهور تحدث عن نفسه أو عن أعماله، بل كان حريصًا على أن يظل ما قام به لله وحده، فقد كان مشهور محل ثقة الأستاذ البنا ودعوة الإخوان، بل حمل على عاتقه النظام الخاص وقت فتنة السندي، وتحمل السجن راضيًا شاكرًا، وحينما خرج حمل عبئها للوصول بها إلى العالمية، ولم يطلب في يوم أن يكون القائد، بل كان نعم الجندي الوفي لدينه.

يقول د/ عصام العريان: «أظن أن دور مصطفى مشهور في إعادة بناء الدعوة لا يقل أهمية عن دور الإمام الشهيد حسن البنا في تأسيسها، فلم أر شخصًا استطاع أن يجوب مدن وقرى مصر، بل بلاد العالم، مثل مشهور، لقد ترك أثرًا في كل قرية ومدينة بمصر وغيرها، حتى أنني كنت أتعب من اللقاءات ولا يتعب هو».

 

الرحمة مع الأهل

كان الأستاذ مصطفى مشهور نعم الزوج الذي عاش مع زوجته، فما سمع ولا رأى منها إلا كل خير، يذكر أنه قبل زواجه قال لزوجته: إنني متزوج من أخرى، وأملي ألا تغاري منها إذا تأخرت بسببها، أو انشغلت عنك بها، ففزعت الزوجة وقالت: من تكون؟ فقال لها: إنها الدعوة. فقالت له: وأنا خادمتها.

وبعد أن توفيت زوجته وعاشت معه ابنته سلوى كان يقول لها مربيًا: بدأ دورك، فقد كانت أمك تقرأ في هذا المصحف، وكانت تصوم الاثنين والخميس، وكانت تتهجد معي في الليل، والآن أنت تقومين مقامها في فعل ذلك.

 

نزيل السجون فما تكلم

لقد كان مشهور منذ قضية السيارة الجيب– والتي حُكم عليه فيها بثلاث سنوات– نعم الصابر المحتسب، حتى حينما تم اعتقاله في عهد عبدالناصر من مطروح دون تهمة تاركًا زوجته بلا عائل، وظل في السجون حتى عام 1971م، إلا أنه لم يتحدث عن ذلك إلا بالرضى لقضاء الله، بل كان نعم المعين للمرشد العام المستشار حسن الهضيبي وقت محنة التكفير التي انتشرت في السجون.

 

تربية الفكر المنحرف

كان الأستاذ في ضيافة شباب جامعة المنصورة، وفي نهاية اللقاء كُلف طالب بمصاحبة الأستاذ إلى (محطة الأتوبيس) ودعاه الطالب إلى تناول طعام الغداء في أحد المطاعم فلبى المرشد العام، وسأله الطالب في موضوعات عدة، ومن هذه الأسئلة سؤالًا عما يقصده من تشبيه الطوبة السوداء التي تخرج من محرقة الطوب ولا يمكن الاستفادة منها؟ فقال: هو الانحراف الفكري، فكل الطوب بعد انتهاء حرقه ينتفع به، حتى الطوبة الضعيفة الهشة يمكن وضعها في أعلى البناء، يُسد بها فراغ دون أن يُحمل عليها، لكن الطوبة السوداء الملتوية لا يوجد لها موضع في بناء سليم جميل، وذلك هو صاحب الفكر المنحرف- مثل فكر التكفير-، لا يمكن الاستفادة منه بل يشوه البناء ويُضعفه.

 

العناية بالمربي

لقد وضع أسسًا تربوية يسير عليها المربي في تصرفاته، ومنها:

  • أن يهتم المربي بحاله مع ربه، فيعطي وقتًا لنفسه، فيرعاها ويزكيها باليقين الصادق والعبادة الصحيحة.
  • أن يبذل المربي جهدًا في تطوير ذاته وقدراته، التي تؤهله ليمارس مهامه بفاعلية، وترفع من كفاءته في العملية التربوية.
  • أن يتعرف المربي على قدرات وطاقات إخوانه، ويبذل الجهد في توظيفها لخدمة الدعوة، ودفعهم نحو الحركة والعمل، وذلك من خلال وضع البرامج العملية لذلك.

وهكذا، ما بين حياة مصطفى مشهور ومماته رحلة من العمر تفاني في إرساء قواعد تربوية ما زالت منهجًا يحتذى به في كثير من المواقف.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم