خلق الله تعالى الإنسان خلقًا مع بعد خلق، يمر بمراحل متتابعة، وأطوار متتالية؛ فيتحول الإنسان من حالٍ إلى حالٍ، إلى أن يخرج طفلًا، ثم ينشأ صغيرًا، ثم يحتلم، ثم يصير شابًا، ثم كهلًا، ثم شيخًا، ثم هرمًا، وبعد هذه النشأة الأولى يصير إلى الفناء، ثم ينتقل إلى النشأة الآخرة، فيبعث بعد الموت، فينتهي إلى عالم الخلود.
وقد أعدّ الباحث الجزائري نجيب جلواح، هذه الدراسة عن هذه المرحلة المهمة، ناصحًا الآباء والمربين وموجهًا، ومبينًا الطريقة المثلى التي ينبغي سلوكها مع الأبناء، لاسيما في مثل هذا السن، كي يصلحوا ويفلحوا، فيفرحوا ويسعدوا.
فهم خاطئ للمراهقة
لقد غلب على ظن كثير من الناس أن مرحلة «المراهقة» أزمة ومعضلة، وفترة جنون، فهي تعني عندهم: الطيش، والانحراف، والانحلال، واعتبرها آخرون مرضًا نفسيًا يستدعي علاجًا طبيًا، حتى وصل الأمر ببعض الآباء إلى الاقتناع بأن ابنه إن ساءت أخلاقه، أو فسدت طباعه، فسبب ذلك كله: هو المراهقة، وإن نمي إليه أن ولده وقع في منكر، أو طلب منه تقويم اعوجاجه، أجاب بكل سذاجة قائلًا: إنه مراهق، وهذا يعني: أن سن المراهقة أصبح عند هؤلاء القوم: مرحلة لارتكاب الجرائم.
وسبب انتشار هذا المفهوم الخاطئ لـلمراهقة عدة عوامل، منها: قلة المنتوج العلمي في هذا الميدان بما يتفق مع تعاليم الإسلام، الأمر الذي دفع بعض المسلمين إلى أن يأخذوا العلوم الغربية دون تمحيص.
التربية الصحيحة
إن التربية الصحيحة المبنية على أساس شرعي وعلمي، هي الكفيلة بتوجيه المراهق، وتهيئة الجو المناسب له، كي ينشأ نشأة مستقيمة، عفيف النفس، طاهر القلب، فيصبح فردًا صالحًا ومصلحًا، ومن ذلك:
- تعليم المراهق أحكام البلوغ
على الآباء تعليم أبنائهم أحكام البلوغ، وإخبارهم بأنهم سينتقلون من مرحلة الطفولة إلى مرحلة أخرى جديدة، وسيصبحون مسؤولين عن تصرفاتهم، مكلفين بأحكام الشرع ومخاطبين بنصوصه، وقد أصبح لهم دور في الحياة، فإذا كبروا عرفوا ما يحل لهم وما يحرم عليهم، فينشأون متحلين بالعفة والخلال الرفيعة، مجتنبين الفواحش والأخلاق الوضعية.
ولقد أمر رسول الله ﷺ جميع المربين، فقال ﷺ: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»، وإنما أمر ﷺ بأن يُفرق بينهم في المضاجع إذا بلغوا عشرًا؛ لأن ميل الذكر إلى الأنثى والعكس يبدأ عند الفتى والبنت في مثل هذا السن.
- وقاية المراهق من المغريات
من أعظم الأخطار التي أصبحت تهدد أخلاق المراهق: التقدم المدهش والمذهل والخطير لوسائل الاتصال والإنترنت؛ ولا أظن بأن هناك علاجًا مجديًا لهذه الظاهرة المستفحلة، ولا عاصمًا من الانحراف أحسن من تعليم هذا المراهق العقيدة الصحيحة، التي عليه أن يؤمن بها، ويعيش من أجلها، ويدعوا إليها، ويضحى في سبيلها، فيرقى إلى درجة الإحسان، فيوقن بأن الله مطلع عليه، يرى مكانه، ويسمع كلامه، فتقوى في قلبه مراقبة ربه في السر والعلانية، ويخشاه حيثما كان ووجد، فيستحيي منه أن يراه على معصية، وهذا أقوى حاجز وأمتن حصن بينه وبين هذه المغريات، التي تفسد الكبار قبل الصغار.
وأفضل علاج للنجاة من هذه المغريات، امتثال نصيحة رسول الله ﷺ: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء».
الطريقة المثلى لإصلاح المراهق
هذه جملة من النصائح والإرشادات، نتوجه بها إلى الآباء والأمهات وإلى مجموع المربين تتعلق بكيفية التعامل مع المراهق، وبيان سبل إصلاحه، وتهذيب أخلاقه، وإنقاذه من الخطر المحيط به، وإبعاده من الفساد والمفسدين:
- يجب عليكم جميعًا أن تعلموا جيدًا، وتدركوا إدراكًا تامًا، بأن الهداية من الله تعالى وحده، وعليه فلا تغفلوا عن كثرة الدعاء لولدكم.
- عليكم الاهتمام بالمراهق؛ لحمايته من أي انزلاق، أو انتكاسة في الأخلاق، أو ميوعة أو انحلال، وليكن ذلك بفهم طبيعة تصرفاته؛ ليسهل عليكم التعامل معه برفق ورحمة وحكمة وصبر، واجتنبوا العتاب الكثير، والتعنيف المتكرر.
- عليكم أن تقتربوا منه، وأن تدعوه بالحكمة والموعظة الحسنة، توسطوا في التعامل معه دون إفراط أو تفريط.
- اغتنموا فرصة ميله إلى التدين، وشجعوه على ذلك؛ حتى يصبح شابًا صالحًا مستقيمًا.
- ليس هناك أفضل من القدوة الحسنة، فكونوا أول الممتثلين لما تدعونه إليه.
- تحببوا إليه بالهدايا، والكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، امسحوا على رأسه، واضربوا على كتفه، واقتربوا منه، فإذا أحبكم تأثر بكم.
- اعلموا أن أشد ما يؤثر في أخلاق المراهق وسيرته هي الصحبة، لذا عليكم أن ترغبوه في أن اختيار أصدقاء الخير.
- كما يتعين عليكم مراقبة ابنتكم المراهقة، حذروها من ربط علاقات مشبوهة مع غيرها، خصوصا إذا كانت بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي.
- املأوا أوقات المراهق بما ينفعه ويفيده من أمور الدين والدنيا.
- لا تفيضوا عليه المال، بل اعتدلوا؛ فهو سلاح ذو حدين.
- خصصوا للبيت مكتبة وزودوها بما ينفع من الكتب الشرعية والعلمية، وازرعوا في ابنكم حب المطالعة.
- اتركوا له فسحة، واسمحوا له بأن يروح عن نفسه ويسليها بما يباح من وسائل الترفيه.
- اصبروا على بعض أسئلته المحرجة، وحاولوا الإجابة عنها وبحكمة، وافسحوا له مجالًا للمناقشة.
- لا تنسوا الثناء عليه إذا أحسن، وشجعوه على ما يبذل من مجهود في الخير.
- اجتنبوا كثرة الصراخ، ورفع الصوت في وجهه، فهو مما يذهب هيبتكم.
.