الإخوان المسلمون والاستيعاب التربوي للبلطجية

  • دراسة حصرية للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية

 

أصحاب السوابق أو الخارجين عن القانون أو البلطجية أو الفتوات، كلها مسميات لأفراد تعدوا على دولة القانون، وأصبح لهم قانونهم الخاص وهو قانون القوة، وفي كثير من الأحيان يستخدمونه في إيذاء الآخرين والتعدي على خصوصيات وممتلكات الغير، ومع ذلك، يمتلك منهم الكثير صفات النخوة والرجولة وشهامة ابن البلد، وذلك إذا وجد من يعلى هذه الصفات فيه، ويعمل على تغير السلوكيات.

لم تكن هذه المسميات ألفاظ وأفعال استحدثت لكنها من قديم الأزل، فقصة الرجل من بني إسرائيل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم أرد التوبة فلم يُحسن العابد توظيف هذه التوبة والصفات الحميدة فأخبره أنه مطرود من رحمة الله وليس له توبة، فقتله فأكمل المائة، لكنه لم ييأس فبحث عمن يدله ويربي فيه الصفات الحميدة، حتى عثر على العالم الذي قال له: ومن يحول بينك وبين ربك وبين التوبة، وأرشده للصحبة الصالحة الطيبة التي تعينه، حتى ولو هاجر لمكان آخر، وبالفعل تحرك لمغادرة مكان السوء.

وهكذا في كل وقت، حتى أن تاريخ مصر حوى الكثير من قصص أصحاب الفتوات ودورهم الوطني، لكن إذا أُحسن الاستفادة منهم.

 

الإخوان واستيعاب الجميع

كان لفكر الإخوان المسلمين ودعوتهم أثرًا كبيرًا على النفوس التي لم تعرف طبيعة دينها فسارت خلف الأهواء، ولذا ليس عجيبًا أن تجد إخوانًا كانوا من قبل من الخارجين على القانون، إلى أن هداهم الله؛ فصاروا قدوة طيبة يقتدي بها الرجال.

 

البداية

حينما انتقل الإمام البنا إلى الإسماعيلية لم يبحث عن مجتمع العلماء لينشر فكرته وسطهم، لكنه اتجه إلى أرباب ورواد المقاهي، سواء من العمال والخارجين عن القانون، لإدراكه أن هؤلاء قلوبهم صافيه، لم تتلوث بالجدال العقيم الذي انتشر بين العلماء، ولهذا بدأ الإمام البنا يخطب وسط المقاهي المنتشرة في الإسماعيلية حتى كانت باكورة دعوته من هؤلاء النفر الذين أنار الله قلوبهم للفهم الصحيح للإسلام، حيث رسخ الإمام البنا الفهم العالي لاستيعاب هؤلاء([1]).

 

مواقف من المدرسة التربوية

لقد تفاعل مع تربية الإخوان أعدادًا كبيرة كانت تعتبر نفسها من أصناف الفتوات والبلطجية، إلا انهم حينما خالطت تعاليم الإسلام قلوبهم وعرفوا الحق ركنوا إليه ودافعوا عنه، ولنا نماذج في ذلك يذكر منها الدكتور محمود عساف قصة أحمد محمد إبراهيم نار (أخو الأستاذ مالك نار) من أبناء منيا القمح بمحافظة الشرقية، وكان أحمد قاطع طريق، كما كان قويًا يهابه الناس جميعا، وله أتباع يأتمرون بأمره.

وفي إحدى المرات حضر محاضرة للأستاذ الإمام بمنيا القمح، فشعر بمعنى آخر للإسلام غير الذي كان يسمعه ويراه من المشايخ، فالتقى بالإمام بعد المحاضرة، وجلس يتحدث معه، ثم زاره في المركز العام، وتكررت الزيارات، حتى أصبح أحمد نار خطيبًا مفوهًا لا يترك عملًا لدين الله إلا كان فيه، كما كان يقوم بتعليم الإخوان التحطيب في معسكرات الجولة، بل أصبح أحد رجالات النظام الخاص، والذي كان له دور كبير في فتنة النظام الخاص مع مرشدهم المستشار الهضيبي حيث وقف بجوار المرشد العام([2]).

وقصة الحاج إبراهيم كروم– أشهر فتوات بولاق- أصبح الجميع يتحدث عنها وعن التغيير الذي أحدثته تربية الإخوان المسلمين فيه، حيث كان إبراهيم كروم ينشر سطوته على أهالي بولاق أبو العلا، بل تخطى سلطانه حدود الحي الذي يحكمه.. وكان يفرض الإتاوات، ويطيح بالأقوياء ويؤدب المناوئين له ويريق الدماء، ويحرق ويدمر، وكانت الشرطة تعمل له ألف حساب.

لكن مع امتداد الفكر الإخواني والذي وصل لبولاق أبو العلا حيث أقام الإخوان مؤتمرًا للإمام البنا في ميدان سيدي سعيد بشارع السبتية، وكان هذا المكان في نطاق سلطة إبراهيم كروم، وقد اختلفت الراويات حول كيفية دخوله الإخوان ما بين أن أحد رجالات الأحزاب استأجره ليفشل المؤتمر ويتعدى على البنا، أو كونه تأثر بكلمات الأستاذ البنا التربوية حتى أنه هتف يا نور النبي، ثم عاهد البنا على العمل لدين الله، حتى وصفه الأستاذ البنا بقوله: «لقد كان إبراهيم (فتوة الأشقياء)، فأصبح الآن (فتوة الأتقياء)». أصبح أحد رجالات الدعوة الذين دافعوا عنها حتى اعتقل عام 1948م ثم وقف بعد خروجه بجوار مرشد الجماعة المستشار الهضيبي، بل كان على رأس مظاهرات مارس في ميدان عابدين، حتى اعتقل عام 1954م بعد حادثة المنشية ليقضى عامين قبل أن يفرج عنه صحيًا ويتولى قيادة لقوات الدفاع الشعبي لغرب القاهرة([3]).

ويذكر الدكتور إبراهيم الزعفراني عن كيفية استيعاب الأستاذ محمود عطية– مرشح الإخوان في مجلس الشعب– لعدد من بلطجية الإسكندرية، حتى أنهم قاموا بحمايته في انتخابات 2005م في دائرة غيط العنب.

بل أنهم في أحداث عام 1994م حينما حلّ المحافظ مجلس إدارة جمعية إخوانية وعيّن أعضاء من الحزب الوطني، وجاءت قوات كبيرة لتسليم المقر، خرج أهالي منطقة الكرانتينة بمنطقة القباري– ومعظمهم من البلطجية- للتصدي لقوات الأمن، وظلت الأحداث مشتعلة لعدة أيام، تم فيها اعتقال قيادات الجمعية ومعهم عدد من الخطرين، الذين خرجوا مدافعين عن جمعية الإخوان لما رأوه من حسن خلقهم ولين فكرهم([4]).

وهكذا استطاع الإخوان بفكرهم المستنير، وحسن استيعابهم للآخرين أن يجذبوا هذه الفئة التي– ربما– ينظر إليهم الناس دائمًا على أنهم لا ينصلح حالهم، ويجب أن يُعاملوا دائمًا بالقانون، أو لا تُرجى هدايتهم.. وهي أيضًا من الأخطاء التي ربما تترسخ في عقول بعض الإسلاميين نحو هؤلاء.

 

 


([1])  حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

([2])  محمود عساف: مع الإمام الشهيد حسن البنا، دار الجامعات، 1990م.

([3])  أحمد الشرباصي: مذكرات واعظ أسير، دار الكتاب، القاهرة، 1371هـ.

([4])  مذكرات وكتابات إبراهيم الزعفراني.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم