Business

منهج التربية الفكرية في القرآن الكريم

التربية الفكرية عملية ضرورية لكل من الفرد والمجتمع معًا، فضرورتها للإنسان الفرد تكون للمحافظة على جنسه، وتوجيه غرائزه، وتنظيم عواطفه، وتنمية ميوله بما يتناسب وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، والتربية ضرورية لمواجهة الحياة ومتطلباتها، وتنظيم السلوكيات العامة في المجتمع من أجل العيش بين الجماعة عيشة ملائمة.

وفى هذه الدراسة التي أعدتها الدكتورة سمير مثنى علي الأبارة، تناولت فيها أهمية منهج التربية الفكرية في القرآن الكريم، من حيث أنه يحقق شرع الله، ويحقق الجانب التعبدي، وتحقيقه للنهضة الشاملة لو طبق بشكل صحيح، وغيرها.

 

أهمية منهج التربية الفكرية في القرآن الكريم

  • تحقيق شرع الله سبحانه وتعالى: قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].
  • تحقيق الجانب التعبدي: قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
  • تستمد قوتها من مصادرها: فمن المعلوم أن هناك العديد من أنواع التربية في جميع بقاع الأرض، ولكن لا تعتمد هذه الأنواع على مصادر واحده ولا تتشابه في مصادرها، فبعض أنواع التربية قامت على آراء المفكرين، وبعضها قامت على متطلبات دنيوية فقط، فهنا موطن الضعف للتربية التي تنتهج مناهج موضوعة لآراء البشر، حيث إن أي كلام من كلام البشر إنما يكون انعكاسًا لشخصية قائلة، وعلمه ومزاجه ونفسيته، وكل كلام يحمل صفة وروح قائلة، لأنه أثر من آثاره.
    ولكن المنهج التربوي في القرآن يستمد قوته تلقائيًا من مصادره القوية، وهي القرآن الكريم، الذي أنزله الله تعالى على نبينا محمد ﷺ، وتعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه حيث قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]. ويعجز أي إنسان أن يأتي بمثل هذا القرآن، حيث قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: 23].
  • يحقق النهضة العلمية الشاملة لو طبق: يسعى المنهج التربوي في القرآن الكريم للنهضة العلمية الشاملة في شتى المجالات المعرفية والعلمية والاقتصادية والمهنية، ولا ريب أنه بتمسكنا بالمنهج التربوي في القرآن الكريم سنحقق النهضة العلمية الشاملة ونعود من جديد بالنهوض بهذه الأمة ونكون الرواد في شتى المجالات كما كان أسلافنا، ويقول ابن قيم الجوزية في سياق النص الذي يقول فيه: «وكمال الإنسان إنما يتم بهذين النوعين: همة ترقيه، وعلم يبصره ويهديه، (أي العلم والإرادة)، فإن مراتب السعادة والفلاح، إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين أو من إحداهما».

 

أهمية التربية الفكرية

إن القدرات العقلية عديدة ومتنوعة عند الإنسان مثل: القدرة على الإدراك، والقدرة على التذكر، والقدر على التخيل، والقدر على الاستنباط والاستنتاج، والقدر على التحليل، والقدرة على التركيب، والقدرة على الاستقراء، والقدرة على التكيف، والقدرة اللغوية والقدرة الكتابية، والقدرة العددية أو الحسابية، والقدرة العملية، والقدرة الفنية أو الجمالية ونحوها.

فهذه القدرات في تنوعها تحتاج إلى تنميتها لدى الأفراد من خلال جوانب التعليم والمعرفة المتعددة، ومنها جانب اللغة العربية وعلومها المختلفة التي تقدح ذهن المتعلم، وتنمي فيه قدرات عقلية متنوعة، كسعه الخيال وخصوبته، وفهم مرامي الكلام وتأويله ولحنه ومغازيه، وإدراك الحكمة والتمثل بها قولًا وعملًا؛ ولذلك ربط بين الرأي والأدب.

فقيل: «الرأي والأدب زوج، لا يكمل الرأي بغير الأدب، ولا يكمل الأدب إلا بالرأي»؛ وذلك أن الأدب هو الوسيلة في التعبير الموضحة لمقدار العقل، والذي يؤكده ذلك الموقف من غلام وفد أهل الحجاز عندما جاءوا مبايعين للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتقدم الغلام للكلام، فقال عمر: يا غلام ليتكلم من هو أسن منك، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبده لسانًا لافظًا وقلبًا حافظًا فقد استجاد له الاختيار. فزين الغلام فكره بمنطقه اللغوي، ولو كان عي- مريض- اللسان لما ازدان فكره بلسانه.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيان أهمية اللغة في التربية العقلية: «تعلموا العربية فإنها تثبت العقول، وتزيد في المروءة».

وقال: «وعليكم بالفقه في الدين، وحسن العبادة، والتفهم في العربية». فاللغة هي الجسر الذي يصل بين الحياة والفكر، تسبق وجود الأشياء أحيانًا، وتلحقها أحيانًا أخرى، فالفكرة التي تجول في الذهن مجردة تنتقل إلى شيء يتحقق وجوده، وبعد أن يوجد الشيء ينتقل إلى أذهان الآخرين بطريق اللغة.

 

النمو الفكري

يعتبر الجانب الفكري أحد المطالب التربوية التي تسعى المنشآت التربوية لترسيخها وبنائها وتنميتها في الناشئة، حيث تعد عملية التفكير كعميلة عقلية عليا من أهم وظائف العقل البشري التي تمكنه من الفهم والإدراك، والتمييز والمعرفة والاستيعاب والاستنباط والاستنتاج، وإصدار الأحكام الصائبة.

ويعتبر سعة الخيال قدرة ذهنية فكرية متقدمة؛ ذلك أنه العملية العقلية التي تقوم في جوهرها على إنشاء علاقات جديدة بين الخبرات السابقة، بحيث تنظمها في صور وأشكال لا خبرة للفرد بها من قبل.

فهي عملية عقلية تستعين بالتذكر في استرجاع الصور العقلية المختلفة ثم تمضي لتؤلف منها تنظيمات جديدة تصل الفرد بماضيه، وتمتد به إلى حاضره، وتستطرد به إلى مستقبله.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم